للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وأقسموا بالله جهد أيمانهم)]

{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [النور:٥٣].

المنافقون الذين تسللوا بين الصحابة من أمثال عبد الله بن أبي بن سلول، والمنافقون الذين تسللوا في عهد الخلفاء الراشدين وانكشفوا بألسنتهم وبمخالفتهم، والمنافقون الذين تتابعوا وإلى عصرنا الذين يدعون إلى إلغاء كتاب الله والحكم به، وإلغاء السنة المطهرة والحكم بها، والتعلق بأحكام الكافرين، والارتباط بحضارة المنافقين، هؤلاء يظهرون الإسلام ويبطنون سواه، فإذا دعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم أو ورثته من أئمة الحق -ومنهم العلماء الصادقون- إذا دعوهم للخروج للجهاد والقتال فإنهم يقولون لهم: إذا أمرتمونا بالخروج للقتال وللجهاد سنخرج معكم، ويقسمون بالله على ذلك وهم كاذبون، فأقسموا ولم يفعلوا، فخرجوا وتراجعوا وزلزلوا الجيوش كما كان في غزوة أحد التي زلزلت بالمسلمين، وأوذي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل إنه كاد يستشهد فيها بعد أن ذهب المنافق ابن أبي وأخذ طوائف معه حتى إذا التقى الجيشان وتقابلت الفئتان نكص على عقبيه، فتزلزل المسلمون وظنوا الهزيمة قد أحيطت بهم، والهزيمة بعد لم تحن ولكنه كان سبباً فيها، فقد قتل بسببه الكثير من المسلمين في هذه المعركة، ولكن الله تدارك المؤمنين بلطفه وبرحمته، وأولئك لم يأخذوا نتيجة ظفرهم ونصرهم من الكفار فعادوا لمكة، وهم الذين ظفروا بالجيش النبوي، ولو دخلوا المدينة ولو ذهبوا يجهزون على جرحى المسلمين لكان الموقف أصعب، وكانت الهزيمة أشد وأكبر.

كان هذا فعل المنافقين، فقد أقسموا بالله جهد أيمانهم، أخذوا يقسمون ويبالغون بجهدهم كله، يقسمون بالله وبصفاته ويؤكدون ويكررون الأقسام والأيمان: {لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ} [النور:٥٣]، إن أمرتهم بالخروج للجهاد فسيخرجون معك، قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل لهم: {لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ} [النور:٥٣] لا تقسموا بالله فقد علمنا طاعتكم وعرفنا حقيقتها فهي طاعة كاذبة مزورة منافقة ملغومة، تقولون هذا بأفواهكم ويكذب ذلك قلوبكم بما كتمتم المسلمين وزعزعتم جيوشهم، وكنتم السبب في هزيمة المسلمين في الكثير من الغزوات، ولكن الله ناصر نبيه صلى الله عليه وسلم وناصر دينه وناصر كل صادق من المؤمنين، صلى الله على نبينا، ورحم الله سلفنا، وثبتنا على دينه.

قال تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ} [النور:٥٣] أي: إن أمرتهم بالخروج للقتال فسيفعلون ذلك، وقد أكدوا ذلك بلام القسم ونون التوكيد الثقيلة، فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وقد كشفهم: {قُلْ لا تُقْسِمُوا} [النور:٥٣] أي: قل لهم يا محمد! لا تقسموا {طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ} [النور:٥٣] أي: قد علمنا طاعتكم ونفاقكم وكذبكم، فلن تخرجوا وإن خرجتم، فلن تقاتلوا، وإن قاتلتم تراجعتم واستؤسرتم وكنتم السبب في هزيمة المسلمين كما وقع في غزوة أحد وغيرها: {قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [النور:٥٣]، إن الله خبير عالم بما تضمره قلوبكم، وتنطوي عليه أجنحتكم، وما تعملون مما لا تقوله ألسنتكم، ومما تقولونه مما لا تعمله جوارحكم، وهؤلاء هم المنافقون.

والله عندما أعلمنا ذلك، وأرشدنا إليه، أعلمنا ذلك لنعلم المنافق من المخلص، ولنحذر المنافق عندما نراه يقول ما لا يفعل، ويفعل ما لا يقول.