للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (كذب الذين من قبلهم)]

قال تعالى: {كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * فَأَذَاقَهُمْ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [الزمر:٢٥ - ٢٦].

فهؤلاء الذين كفروا، ألم يفكروا فيمن سبقهم من الكافرين الجاحدين؟! فقوله: ((كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)) أي: كذب أقوام قبل هؤلاء الكفار الجدد الذين كفروا بالنبي صلى الله عليه وسلم وبرسالته وبالكتاب المنزل عليه.

قال تعالى: ((فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ)) أي: نتيجة كذبهم وتكذيبهم أتاهم العذاب وأتتهم اللعنة والغضب من حيث لا يشعرون، أي: من حيث هم مكذبون جاحدون، مشركون، لم يشعروا بالعذاب إلا وقد ماتوا، وجاء الملكان اللذان يسألان الكافر في القبر: من ربك؟ من نبيك؟ ما دينك؟ وإذا به لم يعلم جواباً، ولم يوفق للجواب؛ لأنه لم يكن في دنياه يعلم جواباً.

لأنه كان كافراً وكان غير مؤمن به ففوجئ به وذاق ذلك العذاب، وهو لم يشعر به وهو في حال الحياة، ولو شعر به لآمن واستغفر.

قال تعالى: {فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [الزمر:٢٦].

أي: نتيجة كذبهم وكفرهم أذاقهم الله الخزي في الدنيا، بأن أُسروا وقتلوا وشردوا، طردوا من بلادهم، وتشتتوا في البلاد شذر مذر، مع الخزي واللعنة والحقارة من جميع المؤمنين.

قال تعالى: ((وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)) أي: لعذاب الله يوم القيامة أكبر من خزيهم في الدنيا لو كانوا يعلمون ذلك، ولو علموه لما فعلوه إلى أن ماتوا عليه، ولو علموه لانتهزوا فرصة حياتهم ووجودهم فآمنوا وتابوا ورجعوا عن الكفر، ولكنهم لم يعلموا إلا بعد أن أصبحوا في العذاب الشديد، فكان عذاب الآخرة أكبر وأشمل وأشد إيلاماً وهواناً وخزياً.