للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون)]

قال تعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون:٥٢].

قرئ (إن وأن)، (وأن) عطف على الآية قبل: ((يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا)) أي: ويا أيها الرسل! إن أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون، معناه: أن الدين واحد، وأن ما أرسلتم به من عبادة الله لم تختلف الرسالات في ذلك، فمنذ أرسل آدم إلى أولاده، وإلى أحفاده وأسباطه، أمرهم الله أن يدعوهم إلى الله الواحد، وإلى عبادته، وإلى عدم الشرك به، وهكذا كل من جاء بعده، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (نحن معاشر الأنبياء ديننا واحد وأمهاتنا شتى) أي: الشرائع مختلفة، فلكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً، فتختلف الأوامر وتختلف الأحكام وتختلف النواهي، ولكن الدعوة العامة والدعوة الرئيسية الأساسية من كون الله الخالق، وأن الله واحد في ذاته وواحد في صفاته وواحد في أفعاله؛ هي دعوة الرسل جميعاً.

{وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون:٥٢] إن الدين واحد، فلم يرسل نبي، ولم يرسل رسول، ولم ينزل كتاب من الله على بشر إلا ويدعو إلى عبادة الله الواحد، وعدم الشرك به.

((أُمَّةً وَاحِدَةً)) حال، أي: أرسل جميع رسله وأنبيائه، وأنزل الكتب المنزلة من الله: صحائف إبراهيم وزبور داود وتوراة موسى وإنجيل عيسى وقرآن محمد عليهم الصلاة والسلام، كل هذه الكتب الإلهية السماوية ما جاءت إلا للتوحيد ولعبادة الله، وإن وجد فيها غير ذلك فبتحريف الكاذبين وبكذب المشركين وبتغييرهم لما أنزل الله على رسلهم وأنبيائهم.

((وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً)) أنزلت حال كونها أمة وديناً واحداً، ورسالة واحدة، وكلها تدعو إلى الله وعبادته.

((وَأَنَا رَبُّكُمْ)) رب الأنبياء، ورب الأديان، ورب الخلق، ورب الملائكة والناس والجن وكل ما خلق الله، فهو ربهم وقاهرهم وخالقهم ورازقهم ومميتهم، ثم محييهم وموجدهم من العدم.

((فَاتَّقُونِ)) أي: اجعلوا وقاية بينكم وبيني من عذابي ومن نقمتي ومن النار والسعير، وما الوقاية إلا طاعة الله، وطاعة رسوله، وتصديق الأنبياء، وتصديق كتب الله، والعمل بما جاء فيها، ومن خرج عن ذلك خرج عن الإيمان إلى الكفر، ومن دخل في الكفر حلت عليه اللعنة في الدنيا، ودخل النار يوم القيامة خالداً مخلداً أبداً.