للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (فأقم وجهك للدين القيم)]

قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} [الروم:٤٣].

أي: اجعل وجهك لله وأقبل به وبنفسك وبروحك له.

والدين القيم: الدين المستقيم، وهو الإسلام دين العوالم كلها الذي اختاره الله للبشر، منذ ظهر نبينا في هذه البطاح المقدسة يدعو الناس للإيمان بالله خالقاً، وبه عبداً ورسولاً وخاتماً، فمنذ ذلك الحين والخلق كلهم إنسهم وجنهم مكلفون ومأمورون من الله أن يدينوا بالإسلام ويتخلقوا بأخلاقه، وأن يعبدوا الله الواحد ويدينوا بالدين الذي أرسله إلى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:٨٥]، وقال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:١٩].

وأما ما سوى ذلك من يهودية ونصرانية ومجوسية ومختلف ملل الأرض فإنها قد غيرت وبدلت وحرفت من قبل ظهور النبي عليه الصلاة والسلام بدين الإسلام، ثم أصبح كل الخلق إنساً وجناً مأمورين باتباعه، والله يقول لهم: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ} [الروم:٤٣].

واليوم الذي لا مرد له هو يوم الآخرة، يوم يدعونا من الأرض فننتصب قياماً حفاة عراة غرلاً، أي: حتى الجلدة التي قطعت عند الختان تعود، فنقف أمام الله ننتظر الأمر والنهي والحساب، في يوم عند ربك كألف سنة مما تعدون، وقد قال الله عن ذلك اليوم: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:٣٤ - ٣٧].

فهذا اليوم الذي لا مرد له إذا وصلناه وكان منا المقصر ومنا المشرك ومنا العاصي ومنا الكافر فلا ينتظر أن يرد ويعود إلى الدنيا؛ لعله يتدارك ما ضيع وما عصى فيه وخالف، ولن يكون ذلك أبداً، وإذا قامت الآخرة وكان العرض على الله فذلك اليوم الآخر، الذي لا مرد له من الله، وهو يوم يحاسب فيه كل إنسان على عمله إن خيراً فخير وإن شراً فشر.

قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} [الروم:٤٣].

أي: يفترقون، فريق في الجنة وفريق في السعير، فلا يبقى مؤمن مع كافر، ولا كافر مع مؤمن، ولكنهم يفترقون كل طائفة مع جنسها ومثيلها، ومنه الصداع الذي هو نوع من المرض يكون في الرأس في جانب منه فقط وليس فيه كله، ويكون أشد أنواع صداع الرأس وألمه، فهم هكذا يصدعون ويتفرقون ويوزعون، فيميز المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن، {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:٧].