للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وعندهم قاصرات الطرف عين)]

ثم قال تعالى: {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [الصافات:٤٨ - ٤٩].

ومع هذا النعيم الدائم والأرزاق في الجنة المعلومة، والفواكه المتنوعة، وشراب الخمر الذي لا غول فيه ولا أذى، ولا ضرر ولا سكر، مع ذلك: {عِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ} قاصرات: جمع قاصرة.

والطرف: العين والنظر والبصر.

عين: جمع عيناء، يقال: فلان أعين إذا كان واسع العين، شديد بياضها، وشديد سوادها.

ويقال: امرأة عيناء إذا كانت واسعة العين، سوداء شعرها، فالحور العين عندهن من جمال الأعين ما لا تكاد تصل إليه عين، أو يصل إليه متمن أو راج في دار الدنيا، فجمالهن في الآخرة لا يكاد يوصف ولا يوصل إليه من جمال النساء في الدنيا شيء.

وعند هؤلاء المكرمين المنعمين في الجنة، نساء يقصرن طرفهن على أزواجهن، فلا تنظر أعينهن لغير الزوج، وإذا رأين رجلاً لم يرفعن إليه طرفاً؛ عفة وطهارة وإخلاصاً للزوج، فهن قاصرات على الزوج في نظرهن ومقامهن، وكما وصفن في آية أخرى: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن:٧٢] أي: لا يتركن خيامهن، ولا يخرجن من دورهن، فلا يبصرن غير أزواجهن عشقاً ومحبة وتعلقاً بالأزواج، وهذا مما يزيدهن جمالاً، ويزيدهن أثراً ومقاماً عند أزواجهن.

{وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [الصافات:٤٨ - ٤٩].

كانت العرب إذا وصفت جمالاً تقول: فلان أبيض، والبياض هنا المشوب بصفرة أو بحمرة قليلاً، ولقد كان كذلك بياض رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي أعطي الحسن كله، ولم يعط يوسف إلا شطره، فكانوا في الجمال كبيض النعام، وإذا وصف لون المرأة في لغة العرب فيقال: كأنها بيضة نعام، وهذا من ذاك، وكتاب ربنا نزل على لغة العرب ولهجة قريش: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [الصافات:٤٩]، أي: كأنهن بيض النعام، وأجمل ما وصفت به المرأة في شعر العرب: أنها بيضاء مشوبة بصفرة أو حمرة وكذلك الحور العين {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [الصافات:٤٩]، في جمال أوصافهن، في جمال ألوانهن.

مكنون: مصون محفوظ، لا يرى ولا يرى، فهن مقصورات على أزواجهن في النظر، مقصورات على أزواجهن في المقام، وفي القصور وفي السكنى.