للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (سبحان ربك رب العزة عما يصفون)]

ثم قال تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات:١٨٠ - ١٨٢].

بعد أن قص الله جل جلاله في هذه السورة الكريمة، سورة الصافات التي نزلت بمكة، قصص من عتا على أنبيائه كقوم نوح، وقوم عاد، وقوم إبراهيم، وقوم لوط، وقوم إلياس، وقوم يونس، ثم جمعهم جميعاً، وقال: بأنهم مهزومون، مغلوبون، وبأن الرسل هم المنصورون الغالبون؛ لأن الله كتب ذلك في سابق علمه، وسبقت به كلمته، حيث قال جل جلاله: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة:٢١] قال: (سبحان ربك).

فأتم ذلك بالتسبيح والتعظيم والتمجيد، فنزه نفسه ومجدها، وهو سبحانه جل جلاله لا نحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه، وهو يعلمنا كيف ننزهه ونعظمه ونمجده.

(سبحان ربك) أي: نزه خالقك عن كل نقص، ومجده بكل كمال، وقل: سبحان ربي خالقي ورزاقي ومدبري.

(سبحان ربك): ربك يا محمد! ورب كل الخلق.

(رب العزة): رب الغلبة والقهر، رب القوة والسلطان، رب العزة، فلا عزة لأحد، ولا غلبة لأحد إلا من عزه، وإلا من غلبه، فهؤلاء عندما يغلبون لا يكون ذلك منهم، ولكن من باب قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} [مريم:٨٣]، أو قد يكون ذلك بالنسبة للمسلم اختباراً وابتلاءً عسى أن يعود للحق، أن يعود للإيمان، أن يعود للطاعة.

قال: {عَمَّا يَصِفُون َ} [الصافات:١٨٠] عما وصفه به هؤلاء مما قصه الله علينا، بما وصفوه وقالوا: إن لله ولداً وسموه عيسى، إن لله بناتاً: هم الملائكة، إن لله شركاء من الجن، إن لله صاحبة وسموها مريم، إن لله شريكاً أو شركاء، وذهبوا يسمونها من أنواع الجمادات، ومن أنواع الإنس، ومن أنواع الجن، ومن أنواع الدواب، ومن أنواع الملائكة.

فالله جل جلاله يسبح وينزه نفسه عن كل ما وصفه هؤلاء في هذه السورة الماضية المنتهية بهذا الذكر، وهذا التسبيح، وهذا التمجيد، ثم هو ربنا جل جلاله منزه عن جميع ما لا يليق بجلاله، ولا يليق بكماله، عن وصف الكافر، ووصف الجاهل، ووصف الوثني، ووصف الكتابي، وكل ما قالوه وافتروه فيه على الله.

{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ} [الصافات:١٨٠] أي: عما يصفه هؤلاء الوثنيون، هؤلاء المشركون، هؤلاء الكافرون بالله، ممن ذكروا خلال هذه السورة.