للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (قال هي عصاي أتوكأ عليها)]

قال تعالى: {قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه:١٨].

كان

السؤال

ما هي هذه؟ وكان يكفي أن يقول: هي عصاي.

أي: هي عصا أملكها وليست عارية، ولكن موسى كان حريصاً على إطالة مكالمة ربه والبسط معه فلم يكتف بقوله: إنها عصاً، بل أخذ يقص على ربه جل جلاله فوائدها وما يصنع بها فقال: {هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه:١٨].

ومن هنا نعلم أن المسئول إذا أجاب أحياناً عن أكثر مما سئل عنه سواء كان تلميذاً، أو معلماً متبوعاً، وأن ذلك إن كان لحكمة ولسبب وعلة، فلا مانع منه.

قوله: {أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا} [طه:١٨].

الاتكاء: الاعتماد، بمعنى: أنه يعتمد عليها في سفره، وفي سيره، وفي أعماله، ويتخذها رجلاً ثالثة يستعين بها على السير، ويستعين بها على الإسراع، ويستعين بها على الحركة.

{أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي} [طه:١٨].

ومن المعلوم أن موسى آجره شعيب على مصاهرته بأن يرعى له شياهاً ثمان سنوات، وإن أتم عشراً فبفضل منه، فكان يهش بها على الغنم، والهش على الغنم أن يأتي إلى الأشجار عندما تيبس أوراقها فيضرب الغصن ضرباً خفيفاً لتتحات تلك الأوراق وتسقط للغنم فترعاها في وقت القحط والجدب.

وهذه العصا كانت ذات لسانين وكان لها تعكيف يعتمد عليها، وكانت تصلح له حيث قال بعد ذلك: {وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه:١٨].

مآرب: جمع مأرب، أي: أشغال وأعمال أخرى، ومنها: أنه يحملها على عاتقه، ويضع القفة عند تعكيفها ولسانيها كما يفعل الناس ذلك عادة، ويضربها في الأرض ويضرب عليها خيمة من هنا ومن هنا، فيستظل بها من حر الشمس ووهجها، ويستعين بها على الدفاع والكفاح إن خرج له عدو إنسي أو حيواني، فيضربه بها، فينتصر بها عليه.

والمآرب لا تقف ولا تنتهي، وهناك روايات إسرائيلية أنها كانت تضيء، وكانت تكلمه، وكانت وكانت، وهذه أشياء لم يأت وقتها بعد، وموسى لم يرسل بعد، ولم ير معجزة بعد، ولو كان معتاداً ذلك من عصاه لما خاف منها عندما انقلبت حية، ولما ولى هارباً.