للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة)]

ولما ذهبوا وجلسوا وأخذوا يتحدثون قالوا فيما بينهم: {هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً} [الكهف:١٥]، وليس إلهاً واحد {لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [الكهف:١٥].

فأخذوا يقولون فيما بينهم، ويقولون لربهم وهم يدعونه بأن يلهمهم الرشاد في الفرار من هذا الظالم الطاغية: {هَؤُلاءِ قَوْمُنَا} [الكهف:١٥] أي: عشيرتنا، {اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ} [الكهف:١٥] من دون الله الخالق جل جلاله، {آلِهَةً} [الكهف:١٥]، فلم يقتصروا على عبادة الله وحده، بل اتخذوا آلهة من دونه أفردوها بالعبادة، وخصصوها بالوثنية.

{لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ} [الكهف:١٥] فهذا الذي قالوه ألهم عليه سلطان وحجة ودليل وبرهان، أم افتروه؟! فمن أين أتوا بالشرك والشركاء؟! فهل لهم بذلك نبأ عن نبي، وهل لهم كتب يتدارسونها يزعمون أنها من كلام الأولين من الحكماء والمؤمنين والعارفين؟! هيهات هيهات، وإنما هو اتباع الآباء والأجداد في دين لم يشرعه الله، ولم يأمر به، وليس عليه دليل ولا سلطان ولا برهان {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [النجم:٢٣].

يقول تعالى: {لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ} [الكهف:١٥] فهل يأتون على هذه الآلهة بسلطان بين؟! وجمعت بضمير العاقل على زعمهم، ولا يكون الإله إلا عاقلاً مدركاً واعياً، وإلا فهي أخشاب وجمادات وأحجار، وما كان كذلك فليس بعاقل.

فليس لهم على زعمهم سلطان بين، ودليل قاطع، وبرهان واضح، ولكن ظنوا أنها آلهة بحق، وعلى هذا الاعتبار عاد الضمير إليها بجمع العاقل، وليس ذلك إلا من مفترياتهم ومن مقولاتهم التي لا دليل عليها.

ففعلهم هو الهراء والسخف والجور والباطل، فلا شريك مع الله، ولا ثاني مع الله، فهو الواحد الأحد الفرد الصمد {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:٣ - ٤].

قال تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [الكهف:١٥].

فهم كذبة حين قالوا ما لم يكن، واخترعوا ما لا وجود له، ومن أعظم جرماً وإثماً ممن افترى على الله كذباً؟! وإذا كان الكذب على الناس يعتبر جريمة وكبيرة، ومخلاً بالمروءة والكرامة؛ فكيف إذا كان على الله؟! فهؤلاء نسبوا إلى الله شريكاً ومعيناً ومؤازراً، فذلك أكبر الكبائر، وأعظم الجرائم، وأقبح ما يعتقده إنسان ويخترعه.