للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم)]

ثم قال تعالى: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:٦٣].

أي: لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً، يعلمنا الله تعالى في الآيات الماضية الأدب مع بعضنا من أقاربنا وأهلنا وأصدقائنا، وهنا يعلمنا الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله، ولا يترك هذا الأدب إلا مخذول قد غضب الله عليه ولم يرد به خيراً، فقال تعالى: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور:٦٣] أي: لا تدعوا رسول الله دعاءكم مع بعضكم، فنحن نقول لبعضنا: يا سيد فلان، أو يا فلان بلا كلمة معها، لكن من الأدب مع رسول الله ألا تقل: يا محمد! ولا يا أبا القاسم، ولا يا سيد محمد، ولا تذكره بلا صلاة عليه، كما يفعل الكثير من سفهاء العصر، يقفون متكلمين أو كاتبين أو دارسين لا يقولون قال: محمد، وإنما يقولون أحياناً: قال رسول الله، وهذا هو الواجب، لكن لا يختمون الكلمة بالصلاة على رسول الله، وقد قال الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب:٥٦]، ثم أمر المؤمنين فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦].

فالصلاة على رسول الله كلما ذكر هي من آداب النبوة والرسالة، ومن الآداب التي حث عليها كتاب الله، فقال: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور:٦٣] أي: لا تقولوا: يا محمد، وكان يأتي بعض البدو والأعراب ومن لم يدخل الأدب النبوي قلوبهم فينادون من رواء الحجرات: يا أبا القاسم! اخرج لنا، يا محمد! تعال، أو وهم جالسون معه، ويرفعون أصواتهم في ذلك، فحرم الله كل ذلك، وقال: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور:٦٣] أي: لا ننادي الرسول كما ننادي بعضنا، ولا ندعوه كما ندعو بعضنا: يا فلان أو يا أبا فلان، بل نناديه ونقول: يا نبي الله يا رسول الله، وقد يذكر اسمه وتقول: محمد عليه الصلاة والسلام، فإذا ناديته باسمه فلابد أن توصل بها (صلى الله عليه وسلم)، وهذا من الدعاء الذي ليس لبعضنا مع بعض، فلا نصلي على أحد إذا ذكرناه مهما كان، ولا أبي بكر ولا عمر، فلا نقول: قال أبو بكر صلى الله عليه وسلم، ولا قالت فاطمة: صلى الله عليها وسلم، بل نترضى على الصحابة؛ لأن الله رضي عنهم، فنقول: قال أبو بكر رضي الله عنه، وقال مالك رحمه الله.

وأما الصلاة فقد انفرد بها سيد البشر صلوات الله وسلامه عليه، فالأدب أن نقول: قال رسول الله، أو قال نبي الله ونختمها بصلى الله عليه وسلم.