للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم)]

{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:٣٠].

لا تنظر إلى شيء لا يجوز لك أن تنظر إليه، فغض بصرك عنه، وغضّ البصر يكون بإبعاد بصرك عما رأيته فجاءً أو من أول مرة فلا تنظر إليه البتة، وغض البصر ليس معناه: أن تغمض عينك، ولكن أبعد بصرك عما لا يجوز لك النظر إليه من العورات، فقوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ} [النور:٣٠] يدخل فيه النساء والرجال، ولكن خص النساء بآيتين.

قوله: (من أبصارهم) (من) قال البعض: هي صلة وزائدة، أي: غضوا أبصاركم.

وقال بعض المفسرين: (من) للتبعيض، أي: غضوا بعض أبصاركم.

فالله تعالى لم يقل: واحفظوا من فروجكم؛ لأن حفظ الفرج ليس فيه تبعيض إلا على الأزواج، وقد مضى ذلك في أول سورة المؤمنون، قال النبي عليه الصلاة السلام: (يا علي! لا تتبع النظرة النظرة؛ فلك الأولى وعليك الثانية).

أي: إذا وقع بصرك على امرأة لا تحل لك فأبعد نظرك عنها، ولا تعد النظرة الثانية؛ لأن النظرة الأولى نظرة فجاء معفو عنها؛ لأنك لم تقصدها، ولكن النظرة الثانية إذا أعدتها وقد علمتها من قبل فإنك تكون آثماً، ومن هنا قال: (يغضوا من أبصاركم).

فالنظرة الثانية محاسب عليها، وتزداد المحاسبة بكثرة الازدياد، فقوله: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:٣٠] أي: لا ينظر إلى عورات النساء: لا وجهاً ولا جسداً فضلاً عن بقية المحاسن.

قوله: {وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:٣٠] الفرج في الأصل: الشق، ولكنه صار يطلق على قبل الذكر والأنثى، ومع كثرة الاستعمال أصبح علماً بالغلبة، فأمر الله المؤمنين أن يحفظوا فروجهم نظراً ورؤيةً وجماعاً واحتكاكاً وأي نوع من أنواع الحفظ.

وقد وصف الله المؤمنين بأنهم يحفظون فروجهم فقال: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون:٦]، فلا ينظر إلى الفرج ويتصل به إلا الزوج مع زوجته فقط، أو ملك اليمين مع سيدها ومولاها.

فمن آداب المؤمنين ومن الواجب عليهم أن يحفظوا أبصارهم عن رؤية ما لا يحل لهم من غير المحارم، فلا ينظرون إلى أي شيء من محاسن المرأة، كذلك عليهم أن يحفظوا فروجهم في أنفسهم فلا يراها منهم أحد، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم: (لعن الله الناظر والمنظور إليه)، وهذا إن كان ذلك بعلم منه ومطاوعة، فبمجرد أن ينظر الرجل إلى فرج غير الزوجة فهو ملعون، وملعون من وافق على أن ينظر في ذلك، واللعن: هو الطرد من رحمة الله، ولا يقبل هذا مسلم.

قال تعالى: {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:٣٠] أي: أطهر لدينهم ولأخلاقهم ولصلاتهم، وأحفظ لعشرتهم وإسلامهم، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:٣٠]، فالله خبير بعمل كل الخلق: هل سيحفظون ذلك أم لا؟ فهو خبير بالصادق منهم والكاذب، خبير بمن نظر عن قصد وأعاد النظرة ثانية، وبمن نظر فجاءً ثم غض بصره وأبعده، خبير بالمطيع من المؤمنين وبالعاصي منهم، فهو خبير بما يصنعونه من شر أو خير.