للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة)]

قال الله جل جلاله: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ} [محمد:٢٠].

قوله: ((وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ)).

أي: يقول المؤمنون: هلا نزّلت سورة تشرع القتال، وتدعونا إلى القتال وتفرض علينا القتال لنجاهد في سبيل الله، وننصر الإسلام والمسلمين، وندافع عن المستضعفين من النساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة؟ هؤلاء المؤمنون المصلحون الصادقون يتمنون على الله، ويقولون: يا ربنا! هلا أنزلت علينا سورة فيها شرعية القتال والجهاد لنقاتل أعداءنا وأعداء الإسلام؟ يقول ربنا: ((فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ)).

أي: فلما نزلت السورة وكانت سورة محكمة غير منسوخة، ونزل فيها القتال فرضاً لازماً واجباً على المسلمين، إذا بالذين في قلوبهم مرض، أي: المنافقون، فإذا قيل: فلان في قلبه مرض أي: فيه ضغن وحقد على الإسلام، وفيه نفاق بالتظاهر بالإسلام وهو كاذب غير صادق فيما يتظاهر به.

((فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ)) نزلت السورة التي يطلبها هؤلاء المؤمنون، وكانت محكمة مسبوكة الأطراف، مشروعة الأحكام، ومن الأحكام في الدرجة الأولى شرعية القتال والجهاد، إذا كان ذلك: ((رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ)) أي: رأيت المنافقين ((ينظرون إليك)) نظر المرض والحقد والجبن، ونظر الخوف من القتال ((نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ)) وكأن غشية الموت أخذت تستولي عليه فتأخذه سكرات الموت وتستولي على نفسه، ويفقد الصبر، وكأنه ينظر نظر المحتضر الشاخص بصره لا يرى ما أمامه، وإنما هو تائه مغشي عليه: {وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} [الأعراف:١٩٨].

قوله: {فَأَوْلَى لَهُمْ} أي: قرب الهلاك منهم، وهي كلمة تهديد ووعيد تُقال في مثل هذه المناسبات لمن يكفر بالله، ومن ينافق في دين الله.

ومعنى الآية: أنه تمنى المؤمنون على الله أن ينزل سورة تُشرّع القتال والحرب؛ ليكونوا جنداً متراصين في حرب أعداء الله، وفي حرب الكافرين المنافقين، ولكن عندما تنزل السورة المطلوبة عند المؤمنين، ويذكر فيها القتال، إذا بمرضى القلوب من المنافقين تأخذهم غشية الموت، وتأخذهم نظرات الحقد والجبن والرعديدة من القتال، فهم لا يريدون قتالاً، لأنهم جبناء ومنافقون، لا يؤمنون بقتال في سبيل الله، ولا لإعلاء كلمة الله؛ ولذلك ينكشفون عندما تنزل مثل هذه الأوامر في الدعوة إلى الجهاد والقتال.

وقد مثّل الله بهم تمثيلاً؛ لأنهم إذا فرض القتال تجدهم لا يكادون يبصرون، ولا يكادون يعقلون جبناً ونفاقاً وعداوة للإسلام ورسول الله والمسلمين.

وقد قال الإمام قتادة: كل آية ذُكر فيها القتال فهي محكمة، فليس في آيات القتال آية منسوخة ألبتة.

وكذلك قالوا: ما من آية نزلت وذُكر فيها الجهاد إلا وكانت كاشفة فاضحة لأعداء الله المنافقين؛ لأنهم يريدون أن يؤمنوا بما يكون عليهم هيناً سهلاً، لا كلفة فيه ولا نفقة، فضلاً عن بذل حياة وعمر وموت في سبيل الله، فهم لا يؤمنون بذلك، فكيف يعملونه؟ وكيف يقومون به؟