للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلاً)

قال تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفتح:٩].

أرسل الله تعالى رسول الهدى محمداً سيد البشر وسيد الخلق شاهداً ومبشراً ونذيراً، لتؤمنوا بالله واحداً قادراً، وبمحمد نبياً ورسولاً لله وخاتم الرسل والأنبياء، وتعزّروه وتعينوه وتنصروه وتبذلوا النفس والنفيس، وتعظموه، وتوقّروه: من التوقير والوقار، فتحترمونه وتعظمونه وتتأدبون معه صلى الله عليه وسلم، فإذا ناديتموه فلا تنادونه كما يُنادي بعضكم بعضاً، قال تعالى: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور:٦٣]، بل قولوا: يا رسول الله يا نبي الله! وإذا ذُكر اسمه فقولوا: صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا تجعلوا ذكره كذكر غيره من الخلق.

وقوله تعالى: {وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفتح:٩] أي: لتسبحوا الله جل جلاله صباحاً ومساءاً وعشية، وتذكروا الله فتقولوا: سبحان الله، أي: ننزهه عن كل نقص لا يليق بجلال الإلوهية والربوبية، ونصفه بكل كمال لا يليق إلا بالربوبية والإلوهية، ونصلي له ونعبده صباحاً ومساءاً؛ وقد أمرنا بالصلوات الخمس فنصلي له فجراً إلى قبل طلوع الشمس بزمن، ونصلي صلاة العصر التي هي الصلاة الوسطى كما في الحديث الصحيح، ولا ننساه بين أطراف ذلك، ونسبّحه بكرة وزوالاً وأصيلاً ومغرباً وليلاً وفي جميع الأوقات، وإنما نُص على البكور والآصال لفضل الصلاة فيها، فقد قال الله عن صلاة الصبح والتلاوة فيها: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:٧٨] أي: تشهده ملائكة الله الصاعدون من الأرض والنازلون من السماء في البكور والآصال، وهم يتلون القرآن، وذُكرت الآصال؛ لأن صلاة العصر قد نص رسول الله عليها، فقال عن يهود بني قريظة: (أشعل الله قبورهم ناراً شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر)، وقال الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة:٢٣٨]، فأمر الله بالمحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها، ثم خصص الصلاة الوسطى التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها صلاة العصر، وقد قال للتأكيد في ذلك والحث عليه: (من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله) أي: من فاتته صلاة العصر في وقتها فكأنما فقد الأهل والمال، فشبهه المصطفى عليه الصلاة والسلام بمن وتر الأهل والمال.