للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً)

قال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ} [فاطر:١٠].

ما أوقع هذه الآية على عصرنا الآن، فقوله: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ} [فاطر:١٠]، كثير من الشعوب الإسلامية والأمم الإسلامية ظنوا أن عزتهم تكون في متابعة اليهود والنصارى والاستسلام لهم، وفي متابعة المنافقين والاستسلام لهم وفعل فعلهم، والمشي على منوالهم، يقول الله لهؤلاء وأمثالهم: من كان يريد العزة فليبحث عن العزة عند صاحبها سبحانه، ليكون عزيزاً مستقلاً وذا حضارة وذا شأن ومقام، إياك أن تظن أن العزة لأحد غير الله، {فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر:١٠]، يعني: قليلها وكثيرها، هذا كقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} [المنافقون:٨]، إذاً: لا عزة ليهودي ولا لنصراني ولا لمنافق، ومن شاء أن يعتز بغير الله ذل وكان له الهوان، وكانت له الحقارة في الدنيا، وعذاب الله يوم القيامة أشد.

{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر:١٠]، فمن يريد العزة فهي في طاعة الله، وهي في الإيمان بالله، وهي في الإيمان برسول الله، وهي في العمل بكتاب الله.

لقد اعتز آباؤنا وأجدادنا والمسلمون بدينهم فكانوا سادة الأرض، وما كان يخطر ببال أحد منهم أن الكفار سيرفعون رءوسهم في يوم من الأيام أمام الدولة الإسلامية، بل كانوا أذلاء حقراء أمامها، وعندما بدل المسلمون وغيروا غير الله عليهم، {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:١١].

اللهم أعدنا إليك عوداً صالحاً دائماً بفضلك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

وقوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر:١٠]، أي: إلى الله يصعد الكلم الطيب، والكلم الطيب: لا إله إلا الله، وهو الذكر بكل أنواعه؛ الله أكبر كبيراً، وسبحان الله، والحمد لله، والعزة لله، والمجد لله، والثناء على الله بجميع أسمائه الحسنى.

والكلم الطيب هو الإيمان، وهو الكلمة الصالحة التي يقولها المسلم لأخيه المسلم، وهو تلاوة القرآن ومدارسته، وهو دراسة حديث رسول الله، ومدارسة العلم بأشكاله، وهو العلم الموصل للآخرة، سواء كان علم دنيا أو علم آخرة.

فقوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر:١٠]، أي: الكلام الطيب بكل أنواعه، كل كلمة طيبة فيها ذكر لله وفيها تلاوة ومدارسة للقرآن يقبلها الله وتصعد إليه.

وقوله: {وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:١٠]، أي: أن الكلم الطيب بغير عمل صالح لا يرفع، وهو أشبه بالنفاق، كأن يقول الإنسان بلسانه: لا إله إلا الله، وهو كافر بمعناها ومقتضاها، فلا يصلي ولا يصوم ولا يزكي ولا يحج، وقد يكون مسلماً باللسان لكن يعتز بأنه شيوعي، أو أنه ماسوني، أو أنه اشتراكي، وإذا أمرته بالإسلام يقول لك: الإسلام مظاهر، ويقول: ليس هذا وقت قطع الأيدي ولا الرجم ولا الصلب ولا الجلد، نحن متحضرون، يعني: حضره الشيطان والكفر والذل والهوان، أما العزة والحضارة والسيادة الحقيقية فهي في طاعة الله وفي طاعة رسول الله، وهي في أن يكون الإنسان مسلماً.

(والعمل الصالح يرفعه)، عن رسول الله عليه الصلاة السلام أنه قال: (لا نية بلا عمل)، أي: لا قول بلا عمل، ولا عمل ولا قول بلا نية، ولا نية ولا قول ولا عمل إلا بإخلاص، فلا بد للكلام مما يصدقه، وتصديق الكلام عمل الجوارح، وتصديق الجوارح الإخلاص لله، فلا يفعل ذلك لكي يقال: فلان شجاع أو كريم أو دين أو مسلم أو أو بل يكون فعله عبادة خالصة لله، وما لم يكن كذلك لا يقبله الله: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً).

فقوله: {وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:١٠]، العمل الصالح من طاعات بجميع الأركان، يعني: يرفع الكلم الطيب المقترن بالعمل الصالح إلى الله، هذا تفسير، وفسر أقوام فقالوا: لا إله إلا الله تفيد قائلها على كل حال، سواء بعمل أو بغير عمل، إذا قالها بلسانه وصدقها قلبه، وأما إن عمل فهو قد كمل إيمانه، وإذا لم يعمل فهو ناقص الإيمان وأمره إلى الله.

فالكلم الطيب يصعد إلى الله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر:١٠]، أي يقبله إذا كان خالصاً، {وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:١٠] أي: يرفعه الله، هكذا فسر هؤلاء الضمير هنا، والله على كل حال هو الرافع وهو الواضع، وهو الذي يقبل وهو الذي يرد جل جلاله.

ما كان خالصاً لله قبله وما كان لغيره رمى به وجه المرائي والمنافق الكذاب.

وقوله: {وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [فاطر:١٠]، المكر هو: الحيلة والتظاهر بالطاعة والإيمان، فقوله: {وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [فاطر:١٠]، أي: يفعلون السيئات ويتظاهرون بالطاعات، ويتحايلون على الناس استغلالاً لهم، بأن يظهروا لهم أنهم ناس طيبون صالحون وهم في حقيقة الأمر منافقون، لا دين لهم صحيح ولا خالص.

فهؤلاء يمكرون بالناس ويتحايلون عليهم ويظنون أن حيلهم ستجوز على الله، ولكن هيهات هيهات، فهؤلاء لهم عذاب شديد أليم، ولهم خزي من الله، وإن كانوا كافرين فلهم الخلود في النار، وإن كانوا من عصاة المؤمنين فإن شاء الله غفر لهم وإن شاء عذبهم.

وقوله: {وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ} [فاطر:١٠]، أي: مكر أولئك الجاحدين وتحايلهم وأكاذيبهم وأضاليلهم يضمحل ويهلك ولا يقبل.

ويقال: بارت السلعة، أي: بقيت مهملة لم يقبلها أحد، ولم تعجب أحداً، كذلك أعمال هذا قد بارت ومكره بار واضمحل وعاد عليه بالسوء وبالعذاب الشديد.