للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (فنظر نظرة في النجوم)]

ثم قال تعالى: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات:٨٨ - ٨٩].

في هذه الحالة جاءه قومه وكان لهم عيد، وقالوا: يا إبراهيم! اخرج معنا لهذا العيد حتى ولو لم ترد عبادة آلهتنا، لكن شاركنا وتفرج علينا، فلما دعوه رفع بصره إلى السماء وقال: إني سقيم؛ ولذلك لا أستطيع الذهاب معكم.

قالوا: إنه قال: مريض بالطاعون؛ لأن عدواه تنتشر بسرعة.

{فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ} [الصافات:٩٠] خافوا العدوى، فما عادوا يقربونه، ولا يلحون على خروجه، فأعطوه قفاهم مدبرين، فذهبوا فارين مهرولين مسرعين حتى لا تنالهم العدوى.

وقد فسر المفسرون ذلك بمعان كثيرة منها: قال بعضهم: كان علم النجوم علماً نبوياً، وكان يؤخذ من النجوم.

ولكن الحروف المكتوبة هي دلالة ورموز على تلك المعاني، فلا غيب هناك ولا تكهن، قالوا: وعلم النجوم في أصله كذلك، فعندما يرون إلى النجم الفلاني والنجم الفلاني ولقاء هذا بهذا، فكأنما يقرأ في كتاب، فهذا يدل على كذا وكذا، فهو نظر في النجوم على عادة الأنبياء فيما زعموه، {فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات:٨٩].

ولم يكن سقيماً إذ ذاك، فظاهره القوة والعافية، ولكن معنى الكلام: سقيم: سأسقم، وسقيم اسم فاعل واسم الفاعل كالفعل المضارع يدل على الحال والاستقبال، يعني: إن لم أكن مريضاً الآن فأنا مريض مستقبلاً، ومن ثم نسخ هذا العلم وبطل، وكل من يشتغل به يشتغل بالكهانة والضلالة، فلم يعد له أصل مطلقاً.

وقال قوم: ليس المعنى أنه نظر نظرة في النجوم المعروفة، وإنما المراد بقوله: (نظر نظرة): فكر فكرة أي: أخذ يفكر بماذا يجيبهم، وماذا يقول لهم، فنظر نظرة في النجوم، يقال: نجم كذا، وينجم كذا: إذا ظهر وبرز.

{فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ} [الصافات:٨٨]، أي: في الحوادث الآتية، ويفكر ماذا سيعمل، وما ينتظر من جواب الآخرين، وهو يتمنى هذه الخلوة منذ زمن؛ ليفعل فعله بأصنامهم، فما أراد الخروج وما أراد أن يضيع هذه الفرصة من عمره.

{فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ} [الصافات:٨٨] أي: فكر تفكيراً في الأحداث الناجمة الآتية عن عدم ذهابه، فهل سيجبرونه ويفسدون عليه عمله، أم سيتركونه؟ وخوفهم وأنذرهم بأنه مريض بالطاعون، وهم يخافون من مرض الطاعون ومن عدواه ومن انتشاره، فكانت النتيجة أن مضى الأمر ونجح ما تحايل به عليهم، وأتى بالنتيجة المطلوبة.

{فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ} [الصافات:٩٠] أي: أعرضوا عنه حال كونهم مدبرين، وذهبوا مسرعين إلى عيدهم، وإلى تجمعاتهم، وإلى أباطيلهم وأضاليلهم، وذلك ما كان يريد.