للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (هذا فوج مقتحم)]

قال تعالى: {هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ * قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ} [ص:٥٩ - ٦٠].

تدخل أئمة الكفر النار فيؤتى بعدهم بفوج وجماعة وفئة وطائفة، فتقول لهم الملائكة: {هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ} [ص:٥٩] أي: هذه طائفة أخرى مقتحمة، واقتحمت أي: دفعت وطرحت، وقذفت وجرت على وجهها إلى النار، فأقحمت إقحاماً على غير رضاً ولا موافقة منهم، ويدخلون معهم النار، فيقول السابقون: {لا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ} [ص:٥٩]، فلا يرحبون بهم، ولا يحسنون استقبالهم، قال تعالى: {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} [الأعراف:٣٨] إذ جمعهم الكفر، والاستعلاء في الدنيا على أنبيائهم، وتكذيبهم، والكفر بربهم وبكتبه، ففي يوم القيامة ينالون الجزاء الأوفى الكامل، فيقتحم فوج خلف فوج فيسبق الأئمة والقادة لذلك، ثم يتبعون فوجاً فوجاً.

يقول الفوج الأول: لا مرحباً بهم، تقول العرب: مرحباً وأهلاً وسهلاً، فمعنى مرحباً أي: أتيت أرضاً ومنزلاً ومكاناً رحباً، أي: ذا سعة، يسعك علويه وسفليه، ومعنى أهلاً أي: أتيت أهلاً، ومعنى سهلاً: أي: أتيت مكاناً يسهل عليك عشرة أهله واستضافتهم لك.

فأصحاب الفوج الأول لا يرحبون بالفوج الثاني ولا يضيفونهم ولا يوسعون لهم؛ لأنهم يذكرونهم بجرائمهم، وبكفرهم، فيستقبلونهم باللعنة والسباب والشتائم.

وقوله: {إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ} [ص:٥٩].

أي: دخلوا النار، واحترقوا واصطلوا بها.

فيقول لهم الفوج الداخل: {قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ} [ص:٦٠].

يقول فوج الأتباع لأئمتهم الذين سبقوهم إلى النار: {بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ} [ص:٦٠]، أي: أنتم لا سعة عندكم ولا تكريم لكم: {أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا} [ص:٦٠]، أي: أنتم الذين تسببتم في أن دخلنا النار، واصطلينا بها، وتعذبنا فيها؛ بأنهم الذين أضلوهم في الحياة الدنيا، فدعوهم للكفر والشرك، وزينوهما لهم، ودعوهم لتكذيب أنبيائهم وكتب ربهم، وزينوا لهم ذلك.

فالفوج الأول، والفئة الأولى من الأئمة والدعاة إلى النار كانوا هم المتسببين لهؤلاء الأتباع بدخول النار.

وقوله: {فَبِئْسَ الْقَرَارُ} [ص:٦٠] أي: فبئس جهنم قراراً ومنزلاً وموطناً ومستقراً لجميع الأفواج التي جمعتهم النار.