للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المعنى الإجمالي للآية]

قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت:٥٣].

هذه الآية من الآيات العظيمة، فالله تعالى يقول للمؤمنين المعاصرين لنبينا صلى الله عليه وسلم وقت النزول القرآني: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ} [فصلت:٥٣] السين للتسويف القريب، وكل آت قريب.

يقول تعالى للمشركين وللمؤمنين ليزداد المؤمن إيماناً، وعسى أن يهتدي الكافر بما يرى من العلامات والآيات الواضحات على صدق الإسلام والقرآن ومحمد عليه الصلاة والسلام: ((سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ)).

أي: سنريهم من الآيات البينات ومن الحجج القاطعات ومن الأدلة العقلية التي لا ينكرها إلا من فقد عقله قبل أن يفقد دينه، وسنريهم ذلك رأي العين، وإحساس البشرة وسماع الأذن وعيشة الواقع، والآفاق جمع أفق، وهي النواحي والأقاليم والقارات ونواحي الكون، ويشمل ذلك السماء والأرض والجبال والوهاد وكل ما سيتجدد مما لم يكن في عصر النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة؛ بدليل قوله تعالى: ((سَنُرِيهِمْ))، وما أراهم إياه وقت نزول القرآن فقد تم ووقع ورأوه فآمن به من آمن؛ بناء على شهودهم له ووقوعه بين أيديهم، فآمنوا من أجله وذلك هو المعجزة النبوية القرآنية لهؤلاء؛ لكي يؤمنوا ويسلموا ويتأكدوا بأن الإسلام حق، وفي هذه الآية يتكلم الله عن الحاضرين ومن سيأتي في المستقبل، فقال: ((سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ) أي: في عموم الكون من السماوات والأرض.

((وَفِي أَنْفُسِهِمْ) أي: كذلك سيريهم هذه المعجزات في أنفسهم مما لم يكن في العصر النبوي، بدليل بداية الآية (سنريهم).

وقال: (نريهم) ولم يقل: نريكم؛ لأن هذا كان بعد أولئك الذين عاصروا النبي عليه الصلاة والسلام من الجيل الأول.

قال تعالى: ((حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) أي: حتى يتبين لأولئك الذين سيعاصرون هذه الآيات البينات والمعجزات الواضحات في الآفاق وفي السماوات والأرض وفي أنفسهم أنه الحق.

و (حتى) غائية، أي: ستكثر تلك العلامات والآيات؛ حتى يتبين لهم ويظهر بالدليل العقلي القاطع لمن كان له عقل أو ألقى السمع وهو شهيد، ((أَنَّهُ الْحَقُّ)).

والضمير إما أن يعود للقرآن -أي: أن القرآن حق- أو للنبي عليه الصلاة والسلام -أي: حتى يتبين له أنه جاء بالحق وبالرسالة الحق وبأنه نطق بالحق- أو للإسلام -أي: أن الإسلام حق وجاء بالحق ومن عند الحق.

قال تعالى: ((أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ))، استفهام استنكاري، أي: أولم يكف هؤلاء وقد رأوا قدرة الله وآيات وحدانيته وقدرته أن يكون الله شهيداً على أحقية القرآن والرسالة المحمدية والإسلام؟ وكفى بذلك شاهداً وحقاً، ولكن الله جعل للكافرين ما يزيدهم إيقاناً وإيماناً.