للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (فإن يصبروا فالنار مثوى لهم)]

قال تعالى: {فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} [فصلت:٢٤].

يقول تعالى لهؤلاء الذين شهدت عليهم أسماعهم وأبصارهم وجلودهم وأفخاذهم وفروجهم: يا هؤلاء الذين أخذتم في النزاع والشقاق مع بعض أعضائكم! لا تتعبوا أنفسكم، فالنار مثواكم أبداً، فهي منزلكم ومقامكم، فاصبروا أو لا تصبروا؛ {فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} [فصلت:٢٤].

من الثواء والمقام، أي: دار مقامكم ومنزلتكم سواء صبرتم أو لم تصبروا، {فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} [فصلت:٢٤]، أي: مقام ودار خالدة لهم.

{وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} [فصلت:٢٤] يستعتبوا السين والتاء للطلب، أي: يكتبوا العتب ويعتذروا عن أعمالهم؛ ليرضوا ربهم، وهيهات هيهات، فلا مجال للعذر.

وهذا كما قال أصحابهم السابقون للملائكة وهم يسحبونهم إلى النار سحباً ويجرونهم إليها على وجوههم: {ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ} [غافر:٤٩]، فتجيبهم الملائكة: {قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} [غافر:٥٠].

وهنا كذلك يأخذون في الاستعتاب إلى ملائكة النار ويقولون: إنما أضلنا فلان وجهلنا وقلنا: نعزم على التوبة وسبقنا الموت، فهل تقبلون عذرنا؟ وهل تعيدوننا إلى دار الدنيا كما كنا؟ فيطلبون من الملائكة أن يتضرعوا إلى ربهم ويسألونه لهم، فتقول الملائكة لهم: هل هذا جديد عليكم أو تعلمونه من قبل؟ أولم تأتكم رسلكم بالبينات؟ فيقولون: بلى، ويعترفون.

ومع ذلك تمردوا وضلوا وأضلوا وأصروا على الكفر إلى أن وجدوا أنفسهم في واقع ما كانوا ينكرونه، ويشركون بالله فيه، فيحاولون إذ ذاك أن يطالبوا بالعودة إلى الدنيا، وهيهات هيهات، {وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} [فصلت:٢٤].

أي: وإن يعتذروا ويطلقوا العتبى فما هم من المعتبين المعذورين، ولا يقبل لهم عذر ولا عتاب ولا رجاء، ولا تقبل منهم دعوة، فهم في النار خالدين أبداً، والدنيا قد انتهت وفنيت ولم يبق لها وجود بعد أن أدت مهمتها، فلا وجود الآن إلا للدار الآخرة، فإما في جنة دائمة خالدة أو في نار دائمة خالدة، فلا منجى للكافرين منها، ومقام المؤمنين في الجنة خالدين أبداً ما دامت السماوات والأرض عطاء غير مجذوذ، وذلك فضل الله وعطاؤه للمؤمنين.