للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مكانة الصلاة على رسول الله]

قال عليه الصلاة والسلام: (البخيل كل البخيل من إذا ذكرت عنده لم يصل علي)، فلا يكفي أن نقول نحن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل كل من سمع خطيباً أو مدرساً أو متكلماً يذكر رسول الله يجب عليه أن يقول: صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

ومن هنا إذا قلنا: قال أبو القاسم -وقد فعل هذا بعض الصحابة والسلف- ينبغي أن نقول معها: صلى الله عليه وسلم، وإذا قلنا: قال محمد، ينبغي أن نقول معها: صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأن الله قد حرم أن ندعو نبينا كما ندعو بعضنا، فإننا ندعو بعضنا بيا فلان! أو يا أبا فلان! ولا نصلي عليه، ولا تكون الصلاة إلا على رسول الله، فإذا قلنا: يا محمد، أو يا رسول الله، أو يا نبي الله فيجب أن نختمها بقولنا: صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

وهل لا بد أن نقول: سيدنا محمد، أو سيدنا أحمد أو سيدنا أبو القاسم أم لا؟ نقول: السيادة في حد ذاتها لا تشرف النبي، وإنما تشرفنا نحن، وكون الرسول سيدنا معناه: نحن الذين شرفنا بسيادته، فلا يكفي أن تقول: سيدنا محمد دون أن تصلي عليه.

وأما التبجيل والتعظيم فهو أن تقول عنه: رسول الله، أو نبي الله صلى الله عليه وعلى آله، وإذا قلت: سيدنا النبي، فهو سيدنا وسيد الكل، ولكنه شرف لنا نحن، ولقد قال عن نفسه عليه الصلاة والسلام: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر) وهو إمام الأنبياء والمتقين، وأين نحن من سيادته علينا نحن؟ ولكن الشيء الذي لا بد منه ولا يجوز التفريط فيه أنه إذا ذكرناه أو ذكر ونحن نسمع أن نقول: صلى الله عليه وسلم.

وحاول البعض أن يقول: الدعاء هنا دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، أي: لا تظنوا أن دعاء النبي على أحدكم أو أن دعاءه لواحد منكم هو كدعائكم، بل دعوة النبي مستجابة إذا دعا عليكم أيها المنافقون، وقد مضت الآيات وفيها وجوب أن تعتقد أن ما دعا به واقعاً لا محالة، وإذا دعا لكم أيها المؤمنون الصادقون فتأكدوا من أنفسكم أن دعوته لكم مستجابة، ولكن الموضوع ليس هذا، الموضوع الأدب مع النبوة والرسالة، وفيه ما مضى من قبل ألا نترك أمراً جامعاً أو مجلساً نبوياً للنبي صلى الله عليه وسلم، فنترك مجلسه وأمره الجامع دون أن نستأذنه، فالأدب هو هذا.

وقوله: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ} [النور:٦٣] ومن هذا كذلك لا تقولوا: يا محمد! أو يا أبا القاسم! بل قولوا: يا رسول! أو يا نبي الله! هذا في عصره، وبعد عصره وإذا ذكرناه نذكره برسول الله ونبي الله، ونختمها بصلى الله عليه وسلم.

وقد أمرنا الله بذلك في الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦] و (تسليما) مفعول مطلق، أي: كثير السلام كثير الصلاة، كيف والله جل جلاله ابتدأ بنفسه بالصلاة عليه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب:٥٦]، وهل احتاج بعد ذلك إلى صلاتنا؟! وإنما أمرنا الله بذلك، فكيف وقد صلى الله عليه، وصلت عليه الملائكة، أفناتي نحن ونجمل بكلمة نقولها عند ذكره صلى الله عليه وسلم؟! ومن الأدب مع رسول الله الصلاة عليه عند ذكره، وإلا فنكون قد عصينا أمر الله المتمثل في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦]، وفي هذه الآية يقول الله: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور:٦٣]، فليس الأمر مع الرسول كالأمر بيننا لا في الآداب ولا في المعاملة ولا في النداء، بل في كل ذلك يجب أن يكون مع النبي عليه الصلاة والسلام في الذروة والقمة.

وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يكونون جالسين بين يدي رسول الله كالميت بين يدي المغسل، ويكونون جالسين وكأنما على رءوسهم الطير لا يتحركون، ولا يبتدئونه بكلام إلا إذا هو ابتدأ به صلى الله عليه وسلم، ولا يرفعون أصواتهم إذا تحدثوا على صوته، وقد هدد الله من يفعل ذلك بأن يحبط عمله وهو لا يشعر.

وكانوا يتبادرون إليه صلى الله عليه وسلم إذا قص شعره في الحي، فيأخذون شعره ليتبركوا به، وكان إذا توضأ يكادون أن يتقاتلوا على أخذ شيء من مائه، وإذا نادى أحداً يبادر بالجواب لبيك وسعديك يا رسول الله، ولأصحابه من ذلك غرائب وعجائب.

ففي ذات مرة كان يخطب على المنبر وكان ابن مسعود في الشارع لم يصل بعد، فقال النبي: اجلس، وإذا بـ ابن مسعود يجلس في الأرض في الشارع بعد الصلاة، فيخرج النبي صلى الله عليه وسلم فيجد ابن مسعود جالساً، فيقول له: ما بالك؟ فيقول ابن مسعود: يا رسول الله! سمعتك تقول: اجلس، فجلست.

والنبي صلى الله عليه وسلم إنما قال: اجلس لمن دخل وهو يخطب وأراد أن يصلي ركعتين، فمنعه من ذلك ليسمع الخطبة، وقال له: اجلس فليس هذا وقت صلاة؛ لأن من تمام صلاة الجمعة أن ينصت الإنسان للخطيب، وألا يلهو ساعة الخطبة، وإلا فمن لغى فلا جمعة له.

ونرى كثيراً من الناس اليوم يخطب الخطيب وهم يطوفون، فيجب أن يمنعوا بالعصي، والشرطة لا يقومون بذلك؛ لأن الخطبة إذا ذاك هي الواجبة، وصلاة الجمعة واجبة أيضاً، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من فاتته صلاة الجمعة ثلاث مرات طبع الله على قلبه)، فهؤلاء الذين لا يذكرون الطواف إلا وقت الخطبة جهلة مقصرون، ويرجعون بالوزر لا بالأجر في تلك الساعة؛ لأنهم مأمورون بسماع ما يقوله الخطيب، ويجب أن يمنعوا من ذلك، وكذلك صلاة التحية أو صلاة ركعتين والإمام يخطب، بل ينبغي أن ينصت الإنسان.

وقد أمر عليه الصلاة والسلام من يأتي لصلاة يوم الجمعة أن ينصت ويسمع، ولا يتخطى الرقاب، ومن فعل سوى ذلك فقد قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام: (فليرجع مأزوراً غير مأجور) أي: يرجع بالوزر وبالإثم لا بالأجر.