للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إحسان الله تصوير الإنسان]

وقوله تعالى: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} [غافر:٦٤].

فهذه الصور الجميلة للإنسان هي أجمل من صور كل المخلوقات، ولو خلقنا الله على أشكال القردة فماذا كنا نستطيع أن نعمل؟ ولم يستشر ربنا سبحانه في خلقنا أحداً، ولكن خلقنا فأحسن خلقتنا، فضلاً منه وكرماً، وكل الدواب تأكل بفيها وأما نحن فخلق لنا يداً نغسلها وننظفها ثم نأكل الطعام، ونرفع بها اللقمة التي نستطيع مضغها، ثم نستطيع بها أن ننظف أجسامنا، ونغتسل ونزيل الوساخة والعرق بها.

وأما الدواب فبماذا تتطهر؟ إنها بألسنتها تسمح أدبارها وأقدامها، وتلد القطة أو الكلب أو غيرهما من الحيوانات وتنظف وليدها من دمه ووساخته بلسانها.

وأما نحن فالله خلقنا وجمل صورنا، وركبنا في أحسن تركيب، وجعلنا على أحسن حال دون جميع خلقه، فمن يشبهنا؟ ونحن عندما نشبه المحبوب نقول: غزال، والغزال حيوان له قرون، وله أربع أرجل يمشي عليها، ولكن الأصل العكس، أي: أن نمدح الغزال بأنه على خلق المرأة، ومن الناس من إذا أراد أن يمدح إنساناً أو امرأة يقول: قمر، وما القمر بجوار الإنسان؟ ونحن إن وصفنا الإنسان بأنه فيه جمال التراب أو الجبال لكان هذا ذماً؛ لأنه قلد المتأخرون المتقدمين في المدح والذم، فقالوا: غزال، مدحاً للمرأة، وتمدحوا أيضاً فقالوا: فلانة كبقر الوحش، وما معنى هذا الكلام؟ معناه: أن البقر لها أعين كبيرة، وهذه البقرة قليلة في الجزيرة، وتوجد في بعض دول الخليج، فتشبه المرأة بها لأجل سعة العيون، فشبهوا المرأة التي خلقها الله في أحسن تقويم وصورة بالبقر، وهل هناك مذمة أو شتيمة أكثر من أن نقول لإنسان: أنت كالبقرة، أو كالحيوان، ولكن هكذا طلبوا أن يقولوا، وأجمل شيء أن يقال ما قاله ربنا: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} [غافر:٦٤]، فأحْسن صورنا في أيدينا وفي عيوننا وفي أفواهنا، وأحسن صورنا بالجمال الذي هو أجمل من كل جميل في الأرض.

وقد يقال عن بعض الناس: هذا أبيض، أو أسمر، أو أكثر شعراً، لكن جميعنا خلقنا الله وصورنا فأحسن صورنا، ولو خلق الله جل جلاله لنا عيوناً في جباهنا، وخلقنا بيد واحدة -وهو قادر على كل شيء- فكيف الحال حينئذٍ؟ وطالما هددنا الله وأنذرنا في القرآن في آيات كثيرة بأنه قادر على أن يخلق خيراً منا وينهينا، فمن ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة:٥٤].

وهذا المعنى بنى عليه أنه قادر على أن يخلقنا خلقاً آخر على غير الخلق التي نحن عليها، ولذلك كان الأولون يمسخون، فيصبح إنساناً ثم يصير خنزيراً أو قرداً أو كلباً، ولكن الله كرم نبينا وأمته، فقد ألغى المسخ، فلا يمسخ الإنسان من صورة آدمية إلى صورة حيوانية، ولكن مسخ العقول قد أخبرنا النبي عليه الصلاة والسلام بأن من الخلق من صورته صورة بني آدم ولسانه من ألسنتهم، وعقله كعقول القردة والخنازير، وهذا نراه كثيراً، فيبيت معك رجل ذا طول وعرض وجمال وهيئة، إذا أخذ في الكلام ترى أن القرد أشرف منه، من عقله من رأيه، كما نرى الآن في كثير من الخطب التي تلقي التعلق باليهود، والتذلل لهم، وشتم للموحدين المؤمنين، وسب لعباد الله الصالحين، فماذا ترى في هذا؟ القرد أشرف منه وكذا الخنزير، وهذا كثير في الأرض.