للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه)]

قال الله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [الأحزاب:٤].

اشتملت هذه الآية الكريمة على أحكام، واشتملت على أوامر ونواه، وجعلت لها مقدمة وديباجة، قال تعالى: ((مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ)).

أي: ما خلق الله إنساناً وخلق له قلبين في جوفه، قلباً حاضراً وقلباً غائباً، وقلباً سميعاً، وقلباً عاصياً، وقلباً مشرقاً وقلباً مغرّباً، بل جعل الله لكل إنسان ولكل مخلوق قلباً واحداً، فلم يجعل الله لإنسان قلبين في جوفه وفي باطنه، وهو ضرب مثال لما يأتي في بقية الآية، أي: كما لم يجعل للإنسان قلبين لم يجعل للمولود والدين، ولم يجعل الزوجة أماً والأم زوجة، فهي ديباجة ومقدمة لقوله تعالى بعد ذلك.

وقوله: (من) هي حرف جر للاستغراق وللعموم، أي: عموم الخلق، ولا مفهوم للرجل أو الذكر، وإنما المعنى: ولم يجعل لواحد من الناس قلبين في جوفه.

وقوله: (وما جعل) هذه هي النتيجة من المقدمة، قال تعالى: ((وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ)) أي: كما لم يجعل الزوجة المظاهر منها أماً، كما كانوا يقولون في الجاهلية، ولا تزال هذه الجاهلية يقول بها الكثير من الناس، إحياء للجاهلية الأولى، وقولاً للباطل والزور والمنكر من القول، فنجد من يقسم على زوجته ويقول: هي عليه كظهر أمه، ويكفي أن يقول: هي عليه كظهر واحدة من محارمه بأن يذكر أماً أو بنتاً أو أختاً أو عمة أو خالة، فكون الرجل يحرم نكاح زوجته على نفسه، فيقول: هي عليه كظهر أمه، أو أخته، أو عمته، أو خالته، أو أي حريم ممن حرم الله عليه، فعندما يقول الجاهل هذا فهو قول باطل ومنكر وزور، ولن يكون حقيقة ولا واقعاً، ولا تحرم زوجته عليه حرمة أبدية بذلك، فهي زوجة وستبقى زوجة، ولكن مقابل هذا القول الباطل جعلت له عقوبة وهي مفصلة في سورة المجادلة، وأن من قال ذلك لا يحل له أن يعود لها مرة ثانية ما لم يعتق عبداً، فإن لم يجد فليصم ستين يوماً متتابعة، فإن لم يستطع فليطعم ستين مسكيناً، فتلك عقوبته وذلك جزاؤه، وإلا فلا يحل له أن يتصل بها بعد ذلك ما لم يقم بالعقوبة التي عاقبه الله بها.

وقوله: ((وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ)).

أي: لم تكن الزوجة أماً في حال من الأحوال، ومن قال ذلك فعليه الكفارة: عتق رقبة أو صيام ستين يوماً أو إطعام ستين مسكيناً، فكما أن الرجل لن يكون له قلب في جوفه لن تكون الزوجة أماً أو الأم زوجة في حالٍ معاً.

وقوله: ((وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ)).

(أزواجكم): جمع زوجة، والظهار: أن يقول: هي عليه كظهر أمه، لن تكون هذه المظاهرة وهذا القول الباطل ليجعل الزوجة أماً أبداً.

وهذه الفقرة من الآية لها سبب نزول.

وقوله: ((وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ)): الأدعياء: جمع دعي، كان الناس في جاهليتها يأتي الواحد إلى الولد فيقول: هذا ولدي يرثني وأرثه، ويصبح كولد الصلب، وتحل له الخلوة بالأخوات من هذا المتبني، ويحرم عليه ما يحرم على الابن الذي هو من الصلب والرحم، فالله حرم ذلك وأبطله، وجعله زوراً من القول وباطلاً من الكلام.

وقوله: ((ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ)).

أي: ليس ذلك بقول حق ولا بقول صدق، ولن يكون للولد أبوان قط، كما لن يكون للرجل قلبان في جوفه.