للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم)]

قال الله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الأحزاب:٤٠].

بعد أن أبطل الله تعالى التبني الذي كان قبل الإسلام وكان ممن فعله رسول الله عليه الصلاة والسلام، فأبطله بالقول وأبطله بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب:٥]، وقال: {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب:٥].

والله جل جلاله أمر نبينا عليه الصلاة والسلام بعد أن أبطل بنوة زيد، وطلق زوجته أن يتزوج زينب؛ لكي يكون إبطال البنوة أمراً إلهياً عملياً، فكان عملاً نبوياً.

فأكد الله ذلك في هذه الآية الكريمة فقال: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:٤٠].

أي: لم يكن محمد صلى الله عليه وسلم أباً لأحد من الرجال، فلم يكن أباً لـ زيد ولا لغير زيد من الرجال، وإنما كان أباً لمثل القاسم والطيب، والطاهر، والحسن، والحسين وكانوا جميعاً أطفالاً، فالثلاثة الأولاد الذين من صلب النبي صلى الله عليه وسلم: القاسم، والطيب، والطاهر ماتوا أطفالاً فلم يبلغوا الحلم؛ أما والداه الحسن والحسين فهما ولدا بنته وهما سبطاه، فقد قال عن الحسن: (إن ابني هذا سيد) ولكن مع ذلك مات عليه الصلاة والسلام وهما صغيران، وإنما كبرا بعد ذلك.

وإنما نفى في عصر زيد وفي الوقت الذي نزلت فيه هذه الآية أن يكون أباً لرجل، والآية من سورة الأحزاب التي لا نزال ندرسها وهي سورة مدنية، وغزوة الأحزاب التي كانت مناط هذه السورة كانت في السنة الخامسة من الهجرة، أي: نزلت هذه السورة الكريمة في السنة الخامسة من الهجرة.

والنبي عليه الصلاة والسلام مات في بداية السنة الحادية عشرة من الهجرة، فكان الحسن والحسين لا يزالان في الطفولة لم يصلا حد المراهقة.

فلم يكن محمد صلى الله عليه وسلم أباً لـ زيد، هذا هو المقصود من الآية، وأن زيداً يدعى لأبيه، فإن لم تعلموا أباه فادعوه بالأخوة الإسلامية، وبأنه مولى الإسلام، وهكذا كان سالم الذي تبناه أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة لا يعرف له أب.

فعندما أبطلت البنوة قيل عنه: سالم مولى أبي حذيفة ودعي زيد بن حارثة باسم أبيه؛ لأنه كان معروفاً، فأصبح يعرف بـ زيد بن حارثة.

قوله: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:٤٠].

ولكنه كان منذ أرسل ونادى في هذه البطاح المقدسة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة هو رسول الله وخاتم رسله وأنبيائه أرسل للناس كافة عربها وعجمها، من عاصروه ومن سيأتون بعده وإلى يوم القيامة.