للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سبب نزول سورة فصلت]

قال ربنا جل جلاله: {حم * تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} [فصلت:١ - ٤].

هذه السورة سورة مكية، نزلت في مكة المكرمة، وهي مشتملة على ٥٤ آية.

وأول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم -ولعل ذلك كان سبب نزولها- أنه اجتمع كفار قريش في ناديهم حول الكعبة المشرفة فقال قائل منهم -قيل هو أبو جهل -: لقد التبس علينا أمر محمد، فهذا الذي أتى به ودعا إليه ما هو؟ هل هو سحر أم كهانة أم شعر؟ وكان عتبة بن ربيعة أعلمهم بالشعر وبالكهانة وبالسحر وكان سيداً من ساداتهم وكبيراً من كبرائهم، فقالوا له: يا أبا الوليد اجتمع بمحمد واسمع خبره وكلمه لعله يكف عما هو قائم به نحونا.

وكان ذلك منهم عندما أسلم حمزة وعمر معاً وأخذ أتباع النبي عليه الصلاة والسلام يكثرون يوماً بعد يوم.

فجاء إليه عتبة وقال: يا محمد! يا أبا القاسم! لم تر العرب رجلاً مثلك شتت قومه وعاب آباءه، وشتم دينهم وذكر أبناءهم وآباءهم بسوء، فما هذا الذي أتيت به؟ هل أنت خير أم أبوك عبد الله أم جدك عبد المطلب أم جدك هاشم أم جدك قصي؟ والنبي عليه الصلاة والسلام ساكت لا يجيبه.

فأخذ يزيد ويقول له: إن كان هذا الذي بك مرض جمعنا لك من أموالنا، حتى نأتيك بأطباء يعالجون مرضك، وإن كنت تريد الملك ملكناك علينا ورفعنا راياتك على رءوسنا، وإن كانت بك الباءة زوجناك عشراً من عقائل قريش، وإن كان بك المال جمعنا لك من المال حتى تكون أغنى رجل في قريش أنت وعقبك! فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (أفرغت يا أبا الوليد؟! قال: نعم.

قال: فاسمع مني، قال: كلي لك سمع! فقرأ عليه النبي عليه الصلاة والسلام: بسم الله الرحمن الرحيم {حم * تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} [فصلت:١ - ٤]، إلى أن تلا إلى قوله تعالى {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت:١٣] وإذا بـ عتبة عندما وصل رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى هذه الآية يضع يده على فمه ويقول: نشدتك الله والرحم التي بينك وبيننا، فأتم السورة إلى أن وصل إلى السجدة فسجد وعتبة يرى ذلك في ذهول، ثم تركه وذهب إلى قريش فقالوا قبل أن يصل: والله لقد عاد إليكم عتبة بغير الوجه الذي ذهب به إلى محمد! فجاء فقالوا له: ما وراءك؟ فقال لهم: اجعلوها علي ودعوا محمداً وما يدعو إليه واعتزلوه واتركوه للعرب، فإنهم إن غلبوه كفيتموه وإن انتصر عليهم فملكه ملككم وعزّه عزّكم وشرفه شرفكم، فوالله لقد قلت الشعر وسمعته فما قوله بالشعر، ورأيت الكهانة واستعملتها فما قوله بالكهانة ولا هو بالكاهن، ورأيت السحر واستعملته وما هو بالساحر ولا قوله بالسحر.

فصاح فيه أبو جهل وقال له: يا أبا الوليد! لقد صبأت إلى محمد وأعجبك طعامه، فغضب عتبة وقال: والله لا كلمت محمداً بعد اليوم، وإنكم لتعلمون أني أكثركم مالاً وأرفعكم نسباً.

فكانت هذه السورة وهي إحدى الحواميم التي قال عنها ابن مسعود وابن عباس: الحواميم لباب القرآن، وقالوا عنها: هي عرائس القرآن.

وكان شعار النبي صلى الله عليه وسلم وكلمة السر في بعض غزواته: حم لا ينصرون.