للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون)]

قال الله تعالى: {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} [الزخرف:٧٨] أي: جاءتهم ملائكة الله في الدنيا، وجاءتهم رسل ربهم في الدنيا، وأمروهم بالحق، والحق هو الله والإيمان والتوحيد والقرآن والطريق المستقيم ومحمد عليه الصلاة والسلام، وكل ذلك بمعنى واحد.

جاء الرسل للناس بالحق، فدعوهم لعبادة الحق الله الواحد الأحد، ودعوهم للإيمان بالحق كتاب الله النور المشرق على الخلق، ولكنهم أعموا أبصارهم كما أعموا بصائرهم عن الانتفاع بهذا النور، وجاءهم النور محمد صلى الله عليه وسلم بنوره وبرسالته وبحكمته وهو حريص على إيمانهم، وكاد يهلك نفسه في سبيلهم بما قابلوه من أذى وجحود وكفران وعندما ملك رقابهم ونواصيهم عفا عنهم وقال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء).

ولو آمنوا به وقبلوه كما قبله غيرهم من المؤمنين والمسلمين لما كانوا في النار، ولما نادوا هذا النداء الذي لا جواب عليه.

ففي الموت راحة، وأنى لهم الراحة وقد كفروا وأصروا على الكفر مدة حياتهم؟ والمجيء بالحق كان للجن والإنس، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦] ولكن الذي آمن بالحق قليل من الناس، قال تعالى: {ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ} [الواقعة:١٣ - ١٤] ولذلك في الآية الكريمة {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ} [الزخرف:٧٨] فكان الأكثر كافراً جاحداً ممتنعاً عن الحق وقبوله والإيمان به والاهتداء بهديه.

وقد كرهوه وازدروه وكفروا به، وفي النار يلقون جزاء كفرهم وجحودهم وكراهتهم للحق، ومن هنا نعلم أن حب الحق إيمان وكراهيته كفران وجحود؛ ولذلك فقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول في الدعاء: (اللهم ارزقني حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقربني إلى حبك) فحب الله ورسول الله وشريعة الإسلام وحب الصحابة والتابعين والسلف الصالح والمؤمنين من متعلقات الإيمان، ومن أحب قوماً حشر معهم؛ إن كانوا مؤمنين فهو معهم في الجنة، وإن كانوا كافرين فهو معهم في النار، وكل محب للمحب تابع ومقلد، ومن أحب الكافر فعل فعله، ومن أحب المؤمن فعل فعله.

والحكمة العربية تقول: قل لي من تصاحب أقل لك من أنت.

وإذا رئي الإنسان مع منافق أو فاسق أو فاجر فمعنى ذلك أنه مثله، وإذا رئي مع صالح أو مؤمن أو محب للخير فمعناه أنه مؤمن، وكثيراً ما نفعل هذا عندما يصعب علينا أن نعرف حقيقة إنسان لا نعرفه، فنسأله: ما رأيك في أبي بكر؟ ما رأيك في الأئمة الأربعة؟ ما رأيك في الحركات الجارية في الأرض: كالاشتراكية والشيوعية؟ فإن أجاب إجابة حسنة فهو أخ مسلم، وإن قال: الاشتراكية مذهب صالح، والشيوعية لا بد منها فيكون قد رسب في الامتحان وعاملناه معاملة غير اللائق، إن كان يريد المصاهرة أبعدناه فلا يصلح أن يصاهر مؤمناً، وإن أراد الشركة أشرنا بألا يشارك، وإذا أراد شيئاً نقول له: لا، إلا إذا استنصحنا -والدين النصيحة- فيجب علينا أن ننصحه، ونقول له: إن الذي تحبه ضرر عليك في الدنيا والآخرة.