للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (قل سيروا في الأرض فانظروا)]

قال تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ} [الروم:٤٢].

يقول تعالى: اسمعوا بآذانكم، فإن لم تكن لكم آذان فانظروا بأعينكم، وسيروا في الأرض وسيحوا وابتغوا من فضل الله، واعلموا أن هذه الأرض قد كان عليها قبلكم خلق من خلق الله، أشد أبداناً وأقوى سلطاناً وأطول أعماراً، لهم من الحول ومن الطول ومن القوة ما ليس عندكم جزء منه، فانظروا إلى آثارهم وإلى مساكنهم وأين هم؟ فقد ذهبوا بجمالهم وبحطامهم وبقوتهم وأصبحوا تراباً، وعادوا إلى التراب كما كانوا، فأصبحوا وكأنه لم يكن هناك جاه ولا سلطان ولا مال ولا تيه ولا جبروت ولا طغيان.

فانظروا إلى ذلك وخذوا منه العظة والعبرة، واعلموا أن الذي فعل ذلك بأولئك هو الله، وهو لا يزال قادراً على أن يعذبكم ويعاملكم معاملة أولئك، فتوبوا إلى الله ما دمتم أحياء، وانتهزوا حياتكم قبل موتكم.

وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [الروم:٩].

أي: عاقبة السابقين الأولين الذين كانوا قبلكم وما الذي جرى عليهم؟ وما هي الزلازل التي زلزلت أقدامهم؟ فقد نزلت عليهم الصواعق من فوقهم وجاءتهم الصيحات من كل جهة فأصبحوا في مكانهم جاثمين، وكأن لم يغنوا بالأمس، فقد عم البلاء البر والفاجر، {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:٢٥]، أي: إن هناك قلة ليست بمشركة، ولكن عمهم البلاء لمجاورتهم ومساكنتهم ومخاللتهم.

وقوله: {كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ} [الروم:٤٢]، أي: كفرة بالله متخذين مع الله الشريك.