للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاستئذان عند الأمر الجامع]

ثم قال تعالى: {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} [النور:٦٢] وصف الله هؤلاء المؤمنين إن كانوا مؤمنين حقاً وصدقاً، أنهم إذا كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر جامع، والأمر الجامع: أن يجمعوا مصالح المسلمين في صلاة جمعة أو مجلس ذكر أو علم، أو معارك وجهاد وغيرها مما يتعلق بمصالح المسلمين عموماً، فهؤلاء لا يكون إيمانهم إيماناً صادقاً وحقاً إذا حضروا في مثل هذه الاجتماعات النبوية، ألا يتركوها ولا يذهبوا عنها إلا إذا استأذنوا رسول الله، وقالوا: يا رسول الله! ائذن لنا عندنا عمل ونحوه، فإن أذن فذاك وإلا فلا.

ثم قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النور:٦٢] أي: الذين لا يستأذنونك يا محمد! عندما يكونون معك في أمر جامع أو مصلحة جامعة من مصالح المسلمين: من علم أو مشورة أو مدارسة أو جهاد أو أي عمل يحتاجه رسول الله عليه الصلاة والسلام لمصالح المسلمون عموما ولمصالح دينهم، فهؤلاء الذين لا يتركون المجلس إلا بعد الاستئذان، فهو هم المؤمنون حقاً، والمؤمنون بالله وبرسوله.

وفي معنى النبي عليه الصلاة والسلام إمام المسلمين، وورثة رسول الله عليه الصلاة والسلام من الدعاة إلى الله والعلماء بالشريعة والصالحين، فإذا اجتمعوا فلا ينبغي للقوم أن يتركوا مجلساً أو معركة أو أعمالاً جامعة لمصالح المسلمين إلا إذا استأذنوا الكبير أو القائد من إمام المسلمين، أو نوابه من العلماء ورثة الأنبياء، فمن دونهم من المعلمين.

والأمر بالاستئذان سببه هو المصلحة العامة، والعمل الجامع لمصالح المسلمين، فإن كان من رسول الله فذاك الأصل، وإن كان الأمر الجامع من نوابه بعد وفاته عليه الصلاة والسلام فهو استأذن من الإمام ومن برتبته من العلماء والدعاة إلى الله.

ثم قال تعالى: {فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ} [النور:٦٢] أي: إذا استأذنك المؤمنون والصادقون ممن يؤمنون بالله وبرسوله.

{لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ} [النور:٦٢]، أي: لبعض مصالحهم لسبب ما، كمرض أو مصلحة خاصة لا يقوم بها سواه، {فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ} [النور:٦٢] ولماذا لمن شئت؟ لأنه قد يكون النبي عليه الصلاة والسلام محتاج لبعض هؤلاء الذين استأذنوه، فإذا لم يأذن لهم فمعناه: أن مصلحة المسلمين هي في بقائهم وعدم ذهابهم.

فهنا ترك الأمر في المشيئة لرسول الله، فإن رأى ألا مانع من ذلك أذن لهم، وإن رأى بقاءهم لمصلحة المسلمين لم يأذن.

ثم قال تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ} [النور:٦٢].

أي: ادعو الله أن يغفر لهم، واستغفار رسول الله للمؤمنين يستجاب، ففي بعض الآثار: ادعوني بلسان لم تعصوني به ومن هنا كانت هذه الآداب، فيطلب المعاصر لرسول الله أن يستغفر له، وكذا يطلب العادي من العلماء والصالحين والأطفال الذين لم يعصوا الله بعد أن يدعوا له، فيكون قد دعا بلسان لم يعص به، ويكون هذا أقرب إلى التقوى وإلى الطاعة وإلى الامتثال من الداعي.

ثم قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:٦٢] أمر نبيه وعبده صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لهؤلاء إن ظهر منهم شيئاً، وليست العصمة إلا للرسل والأنبياء، فليس أحد منا من كبارنا وصغارنا سلفنا وخلفنا إلا وهم في حاجة إلى الاستغفار وإلى التوبة، فالله يغفر الذنوب جميعاً، ويرحم عباده المؤمنين الصادقين اللاجئين إليه؛ لينالوا رحمته ومغفرته.