للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ترضعه؛ لكن سقته لبن الغنم أو غيرها أو أطعمته أو دفعته لخادمها أو صديقتها فأرضعته فلا أجر لها؛ لأنها لم توف بالمعقود عليه وإن اختلفا، فقالت: أنا أرضعته وأنكر المُسْتَرضِعُ أنها أرضعته، فالقول قولها بيمينها؛ لأنها مؤتمنة، وسن عند فطام لموسر استرضع أمة لولده ونحوه إعتاقها ولموسر استرضع حرة لولدها إعطاؤها عبدًا أو أمة؛ لما روى أبو داود بإسناده عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، ما يذهب عني مذمة الرضاع؟ قال: «الغرة العبد أو الأمة»، قال الترمذي: حسن صحيح.

قال الشيخ تقي الدين: لعل هذا في متبرعه بالرضاعة، قال ابن عقيل: إنما خص الرقبة بالمجازاة بها دون غيرها؛ لأن فعلها في إرضاعه وحضانته سبب حياته وبقائه وحفظ رقبته، فاستحب جعل الجزاء هبتها رقبة ليناسب ما بين النعمة والشكر؛ ولهذا جعل الله تعالى المرضعة أمًا، فقال: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ}، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «ولا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكًا فيعتقه» وأما كونه يستحب إعتاقها إن كانت أمة؛ فإنه يحصل بالمجازاة التي جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - مجازاة للوالد من النسب، ويصح استئجار زوجته لرضاع ولده كالأجنبية، ولو كان ولده منها؛ لأن كل عقد صح أن تعقده مع غير الزوجة صح أن تعقده مع الزوج كالبيع؛ ولأن منافعها في الحضانة والرضاع غير مستحقة للزوج بدليل أنه لا يملك إجبارها عليه، وهذا القول من «المفردات»، قال ناظمها:

زوجٌ على زوجته حيثُ عَقَدْ … إجارةً جاز لإرضاع الوَلَدُ

وقال أبو حنيفة وغيره: لا يصح؛ لأنه استحق حبسها والاستمتاع بها بعوض، فلا يجوز أن يلزمه عوض لذلك. وقال أهل القول الأول: عن قولهم إنها استحقت عوض الحبس والاستمتاع هذا غير الحضانة واستحقاق منفعة من وجه لا يمنع استحقاق منفعة سواها بعوض آخر، كما لو استأجرها أو لا ثم تزوجها، والقول الأول هو الأرجح عندي. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>