وبهذا قال المالك والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي؛ لأنه مكذب لإنكاره الأول ومعترف على نفسه بالكذب المنافي للأمانة.
وقيل: يقبل؛ لأن صاحبها لو أقر بذلك سقط عنه الضمان.
وقال في «الإنصاف»: ويحتمل أن يقبل ببينة، قال الحارثي: وهو المنصوص من رواية أبي طالب وهو الحق، وقال: هذا المذهب عندي، انتهى. وهذا القول الذي تميل إليه النفس والله سبحانه وتعالى أعلم.
وإن ادّعى ردًا أو تلفًا بعد جحوده كما لو ادّعى عليه بالوديعة يوم الأحد فجحدها ثم أقر بها يوم الاثنين ثم ادّعى أنه ردها أو تلفت بغير تفريط يوم الثلاثاء وأقام بينة شاهدين قبلا، والسبب في أنه يقبل الرد والتلف إذا أداهما بالبينة بعد الجحود؛ لأنه حينئذ ليس بمكذب لها ولا ضمان على وديع بتركه الوديعة عنده باختيار ربها بقائها بعد ثبوتها عند الوديع؛ لأنها بإبقاء ربها لها باختيار تعود أمانة.
وإن قال مدعى عليه: الودعية مالك عندي شيء أو لا حق لك عندي أو قبلي، ثم أقر بالإيداع أو ثبتت ببينة قبل منه رد أتلف سبقًا جحوده؛ لأنه ليس بمناف لجوابه أن يكون أودعه ثم تلفت عنده بغير تفريط أو ردها فلا يكون له عنده شيء.
ولا يقبل منه دعوى وقوع الرد والتلف بعد جحوده بلا بينة لاستقرار حكمه بالجحود فيشبه الغاصب وعليه ضمان وديعة ثبت أنها تلفت ببينة ما لم يكن جدد عقدًا بعد الجحود.
وإن قال إنسان لآخر: لك عندي وديعة ثم ادّعى المقر ظن البقاء بأن قال: كنت أظنها باقية ثم علمت تلفها قبل قوله بيمنه.