الآمر وابن مسعود هو المأمور الناقل، فدل على مساغ القصد والإقرار عليها والرضى بموجبها، وهذه حقيقة الاستبدال والمناقلة.
وهذا كما أنه بدل على مساغ بيع الوقف عند تعطل نفعه، فهو دليل أيضًا على جواز الاستدلال عند رجحان المبادلة، ولأن هذا المسجد لم يكن متعطلاً، وإنما ظهرت المصلحة في نقله لحراسة بيت المال الذي جعل في قبلة المسجد الثاني، انتهى.
وصنف صاحب «الفائق» مصنفًا في جواز المناقلة للمصلحة سماه المناقلة في الأوقاف، وما في ذلك من النزاع والخلاف، قال في «الإنصاف»: وأجاد فيه ووافقه على جوازها الشيخ تقي الدين، وابن القيم، والشيخ عز الدين حمزة ابن شيخ السلامية، وصنف فيه مصنفًا سماه «دفع المناقلة في بيع المناقلة».
وقال مالك والشافعي: لا يجوز بيع الوقف، ولو تعطلت منافعه؛ لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يوهب ولا يورث»، ولأن ما لا يجوز بيعه مع بقاء منافعه لا يجوز بيعه مع تعطلها كالعتق، والقول الأول هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.
ويجوز نقل آلة مسجد جاز بيعه ونقل أنقاضه لمسجد آخر إن احتاجها لمثله؛ لما ورد من أن ابن مسعود - رضي الله عنه - قد حول مسجد الجامع من التمارين بالكوفة ولا يعمر بآلة المسجد مدرسة ولا رباط ولا معهدًا ولا جامعة ولا متوسطة ولا كلية ولا مستشفى ولا بئرًا ولا حوضًا ولا خزانًا للماء ولا قنطرة وكذا آلات هذه الأمكنة لا يعمر بها ما عداها؛ لأن جعلها في مثل هذه العين ممكن فتعين لما تقدم ويصير حكم المسجد بعد بيعه للثاني الذي اشترى بدله، وأما إذا نقلت آلته من غير بيع فالبقعة باقية على أنها مسجد ونقل أنقاضه وآلاته إلى مثله أولى من بيعه لبقاء الانتفاع من غير خلل فيه.