للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثل أن يكون في موضع ضيق، فينحاز إلى سعة، أو من معطشة إلى ماء، أو من نزول إلى علو، أو من استقبال شمس أو ريح إلى استدبارها، أو يفر بين أيديهم لتنتقض صفوفهم، أو تنفرد خيلهم من رجالتهم، أو ليجد فيهم فرصة أو ليستند إلى جبل، ونحو ذلك مما جرت به عادة أهل الحرب.

وقد روي عن عمر أنه كان يومًا في خطبته إذ قال: يا سارية بن زنيم الجبل، ظلم الذئب من استرعاه لغنم، فأنكرها الناس، فقال علي - رضي الله عنه -: دعوه، فلما نزل سألوه عما قال لهم، فلم يعترف به، وكان بعث إلى ناحية العراق جيشًا لغزوهم، فلما قدم ذلك الجيش أخبروا أنهم لقوا عدوهم يوم الجمعة، فظفر عليهم، فسمعوا صوت عمر فتحيزوا إلى الجبل، فنجوا من عدوهم وانتصروا عليهم.

وسواء قربت الفئة أو بعدت؛ لما روى ابن عمر أنه كان في سرية من سرايا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحاص المسلمون حيصة عظيمة وكنت فيمن حاص، فلما برزنا قلنا: كيف نصنع وقد فررنا من الزحف، وبؤنا بغضب من الله، فجلسنا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل صلاة الفجر، فلما خرج قمنا، فقلنا له: نحن الفرارون، فقال: «لا، بل أنتم العكارون، أنا فئة كل مسلم» أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن.

وعن عمر أنه قال: أنا فئة كل مسلم، وقال: لو أن أبا عبيدة تحيز إليّ لكنت له فئة، وكان أبو عبيدة بالعراق، وإن زادوا على مثليهم فلهم الفرار.

قال ابن عباس: لما نزلت: {إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} وشق ذلك على المسلمين حين فرض الله عليهم أن يفر واحد من عشرة، ثم جاء التخفيف، فقال: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ} الآية، فلما خفف عنهم من العدد، نقص من الصبر بقدر ما خفف من القدر، رواه أبو داود.

<<  <  ج: ص:  >  >>