للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصديق، أنه أوصى يزيد بن أبي سفيان حين بعثه إلى الشام، فقال: «لا تقتلوا الولدان، ولا النساء، ولا الشيوخ، وستجدون قومًا حبسوا أنفسهم في الصوامع، فدعوهم وما حبسوا له أنفسهم».

ولا يقتل عبد؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أدركوا خالدًا فمروه أن لا يقتل ذرية ولا عسيفًا -وهم العبيد-» ولأنهم يصيرون رقيقًا للمسلمين بنفس السبي، أشبهوا النساء والصبيان.

ومن قاتل ممن ذكر جاز قتله؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل يوم قريظة امرأة ألقت رحى على محمود بن سلمة، وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بامرأة مقتولة يوم الخندق، فقال: «من قتل هذه؟» قال رجل: أنا يا رسول الله، قال: «ولِمَ؟» قال: نازعتني قائم سيفي، قال: فسكت؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف على امرأة مقتولة، فقال: «يا لها قتلت، وهي لا تقاتل؟» ففيه دليل على أنه إنما نهى عن قتل المرأة، إذا لم تقاتل.

وكذلك من كان ذا رأي يعين به في الحرب، يجوز قتله لأن دريد بن الصمة كان شيخًا كبيرًا وكان له رأي؛ فإنه أشار على هوازن يوم حنين ألا يخرجوا معهم الذراري، فخالفه مالك بن عوف فخرج بهم فهزموا، فقال دريد في ذلك:

أمرتهم أمري بمنعرج اللوى … فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى غد

وقتل، ولم ينكر النبي - صلى الله عليه وسلم - قتله، ولأن الرأي في الحرب أبلغ من القتال؛ لأنه هو الأصل، وعنه يصدر القتال؛ ولهذا قال المتنبي:

الرأي قبل شجاعة الشجعان … هو أول وهي المحل الثاني

فإذا هما اجتمعا لنفس مرة … بلغت من العلياء كل مكان

ولربما طعن الفتى أقرانه … بالرأي قبل تطاعن الفرسان

وقد جاء عن معاوية رضي الله عنه أنه قال لمروان والأسود: أمددتما عليًا بقيس بن سعد وبرأيه ومكايدته، فوالله لو أنكما أمددتماه بثمانية آلاف

<<  <  ج: ص:  >  >>