للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: يكره له ذلك، وقيل: لا ينزلهم لأنه كإنزالهم على حكمنا ولم يرضوا به، ولو كان بالحصن من لا جزية عليه فبذلها لعقد الذمة، عقدت له الذمة بمعنى الأمان مجانًا، وحرم رقه لتأمينه، وإن لم يجب به ماله، ولو خرج عبد إلينا بأمان، أو نزل عبد من حصن إلينا بأمان فهو حر؛ لما روى الشعبي عن رجل من ثقيف قال: سألنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرد علينا أبا بكرة، وكان عبدًا لنا، أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو محاصر ثقيفًا فأسلم، فأبى أن يرده علينا، وقال: هو طليق الله، ثم طليق رسول الله، فلم يرده علينا؛ ولو جاءنا عبد مسلمًا وأسر سيده الحربي، أو أسر غيره من الحربيين فهو حر. والكل مما جاء، من سيده أو غيره له.

وإن أقام عبد أسلم بدار حرب فهو رقيق، ولو جاء مولاه مسلمًا بعده، لم يرد إليه لسبق الحكم بحريته حين جاء إلينا مسلمًا، ولو جاء مولاه قبله مسلمًا، ثم جاء هو مسلمًا فهو له، وليس لقن غنيمة لأنه مال، فلا يملك المال، فلو هرب القن إلى العدو، ثم جاء منه بمال فهو لسيده، والمال الذي جاء به لنا فيئًا، وكره نقل رأس كافر من بلد إلى بلد، ورميه بمنجنيق بلا مصلحة؛ لما روى عقبة بن عامر أنه قدم على أبي بكر الصديق برأس بنان البطريق فأنكر ذلك، فقال: يا خليفة رسول الله، فإنهم يفعلون ذلك بنا، قال: فأذن بفارس والروم، لا يحمل إلى رأس، إنما يكفي الكتاب والخبر.

قال الشيخ تقي الدين: وهذا حيث لا يكون في التمثيل بهم زيادة في الجهاد، ولا يكون نكالاً لهم عن نظيرها؛ فأما إن كان في التمثيل السائغ دعاء لهم إلى الإيمان، وزجرًا لهم عن العدوان؛ فإنه من إقامة الحدود والجهاد المشروع، ولم تكن القصة في أحد كذلك، فلهذا كان الصبر أفضل.

<<  <  ج: ص:  >  >>