للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسلم لم يحرق؛ فإن عبد الله بن عمر روى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أصاب غنيمة أمر بلالاً فنادى في الناس، فيجيئون بغنائمهم فيخمسه ويقسمه، فجاء رجل بعد ذلك بزمام من شعر، فقال: يا رسول الله، هذا فيما كنا أصبنا من الغنيمة، فقال: «سمعت بلالًا نادى ثلاثًا»، قال: نعم، قال: «فما منعك أن تجيء به»، فاعتذر، فقال: «كنت أنت تجيء به يوم القيامة فلن أقبله منك» أخرجه أبو داود؛ ولأن إحراق المتاع إضاعة له، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن إضاعة المال.

قال أهل القول الأول: أما حديثهم أي أهل القول الثاني، فلا حجة لهم فيه؛ فإن الرجل لم يعترف أنه أخذ ما أخذه على وجه الغلول، ولا أخذه لنفسه؛ وإنما تواني في المجيء به، وليس الخلاف فيه؛ ولأن الرجل جاء به من عند نفسه تائبًا معتذرًا والتوبة تجب ما قبلها؛ وأما النهي عن إتلاف المال، فقيد بعدم المصلحة؛ فأما إذا كان فيه مصلحة، فلا بأس به، ولا يعد تضييمًا، كإلقاء المتاع في البحر إذا خيف الغرق، وقطع يد السارق، مع أن المال لا تكاد المصلحة تحصل به إلا بذهابه فأكله إتلافه وإنفاقه إذهابه، ولا يعد شيء من ذلك تضييمًا، ولا إفسادًا، ولا ينهى عنه؛ لكن قال البخاري: قد روى في غير حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغال ولم يأمر بحرق متاعه.

وقال الدارقطني:

حرق متاع الغال لا أصل له عن رسول الله، ولم يثبت حرمان سهمه في خير، ولا دل عليه دليل ولا قياس، فبقي بحاله، واختار الشيخ تقي الدين أن تحريق رحل الغال من باب التعزير لا الحد، فيجتهد الإمام بحسب المصلحة وصوبه في «الإنصاف» وغيره، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس والله سبحانه اعلم ما لم يكن باعه أو وهبه، فلا يحرق؛ لأنه عقوبة لغير الجاني، ومحل

<<  <  ج: ص:  >  >>