أحسن أولاده وأعفهم، وكان أبوه قد بعثه يمتار له، فمر عبد الله المذكور بيثرب فمات بها، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم شهران، وقيل كان حملاً، ودفن عبد الله في دار الحارث بن إِبراهيم بن سراقة العدوي، وهم أخوال عبد المطلب، وقيل دفن بدار النابغة ببني النجار. وجميع ما خلفه عبد الله خمسة أجمال وجارية حبشية، اسمها بركة وكنيتها أم أيمن، وهي حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم، زوج عبد الله، وأبوه عبد المطلب، وأمّا آمنة أمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر، وهو قريش، فخطب عبد المطلب من وهب المذكور - وكان وهب حينئذ سيد بني زهرة - ابنته آمنة، لعبد الله، فزوّجه بها، فولدت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم الاثنين، لعشر خلون من ربيع الأول، من عام الفيل. وكان قدوم الفيل في منتصف المحرّم تلك السنة، وهي السنة الثامنة والأربعون من ملك كسرى أنوشروان، وهي سنة إِحدى وثمانين وثمانمائة لغلبة الإِسكندر على دارا، وهي سنة ألف وثلاثمائة وست عشرة لبخت نصر.
ومن دلائل النبوة للحافظ أبي بكر أحمد البيهقي الشافعي قال: وفي اليوم السابع من ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذبح جده عبد المطلب عنه، ودعا له قريشاً، فلما أكلوا قالوا: يا عبد المطلب، أرأيت ابنك هذا الذي أكرمتنا على وجهه، ما سميته؟ قال: سميته محمداً. قالوا: فيم رغبت به عن أسماء أهل بيته؟ قال: أردت أن يحمده الله تعالى في السماء، وخلقه في الأرض، وروى الحافظ المذكور بإِسناده المتصل بالعباس رضي الله عنه قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم مختوناً مسروراً. قال: فأعجب جده عبد المطلب، وحظي عنده، وقال: ليكونن لابني هذا شأن.
وذكر الحافظ المذكور إِسناداً ينتهي إلى مخزوم بن هانئ المخزومي عن أبيه قال: لما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الَله صلى الله عليه وسلم، ارتجس إِيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وخمدت نار فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وغاضت بحيرة ساوة، ورأى الموبذان وهو قاضي الفرس في منامه إِبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً، قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها، فلما أصبح كسرى أفزعه ذلك، واجتمع بالموبذان فقص عليه ما رأى، فقال كسرى: أي شيء يكون هذا، فقال الموبذان: وكان عالماً بما يكون، حدث من جهة العرب أمر. فكتب كسرى إِلى النعمان بن المنذر: أما بعد: فوجه إليّ برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه، فوجّه النعمان بعبد المسيح بن عمرو بن حنان الغساني. فأخبره كسرى بما كان من ارتجاس الإِيوان وغيره فقال له: علم ذلك عند خال لي يسكن مشارف الشام يقال له سطيح. قال كسرى فاذهب إِليه وسله وأتني بتأويل ما عنده. فسار عبد المسيح حتى قدم على سطيح