انفرد جلال الدين عن أرخان ساق إلى باسورة آمد، فلم يمكن من الدخول إلى آمد، فسار إلى قرية من قرى ميافارقين طالباً شهاب الدين غازي بن الملك العادل صاحب ميافارقين، ثم لحقه التتر في تلك القرية، فهرب جلال الدين إلى جبل هناك وبه أكراد يتخطفون الناس، فأخذوه وشلحوه وأرادوا قتله. فقال جلال الدين لأحدهم إني أنا السلطان، فاستبقني أجعلك ملكاً، فأخذه الكردي وأتى به إلى امرأته، وجعله عندها، ومضى الكردي إلى الجبل لإحضار ما له هناك، فحضر شخص كردي ومعه حربة وقال للامرأة، لم لا تقتلون هذا الخوارزمي؟ فقالت المرأة: لا سبيل إلى ذلك، فقد أمنه زوجي. فقال الكردي: إنه السلطان، وقد قتل لي أخاً بخلاط خيراً منه، وضربه بالحربة فقتله.
وكان جلال الدين أسمر قصيراً تركي السارة والعبارة، وكان يتكلم بالفارسية أيضاً، ويكاتب الخليفة على مبدأ الأمر على ما كان يكاتبه به أبوه خوارزم شاه محمد، فكان يكتب خادمه المطواع منكبرني، ثم بعد أخذ خلاط كاتبه بعبده، وكان يكتب إلى ملك الروم وملوك مصر والشام اسمه واسم أبيه، ولم يرض أن يكتب لأحد منهم خادمه أو أخوه أو غير ذلك، وكانت علامته على تواقيعه النصرة من الله وحده، وكان إذا كاتب صاحب الموصل أو أشباهه يكتب له هذه العلامة تعظيماً عن ذكر اسمه، وكان يكتب العلامة بقلم غليظ وكان جلال الدين يخاطب بخذاوند عالم، أي صاحب العالم، وكان مقتله في منتصف شوال من هذه السنة، أعني سنة ثمان وعشرين وستمائة، وهذا ما نقلناه من تاريخ محمد المنشئ، وهو ممن كان في خدمة جلال الدين إلى أن قتل، وكان كاتب الإنشاء الذي له، وكان محظياً متقدماً عنده.
[ذكر غير ذلك]
وفي هذه السنة انتهى التاريخ الكامل تأليف الشيخ عز الدين علي المعروف بابن الأثير الجزري، المنقول غالب هذا المختصر منه، فإنه ألفه من هبوط آدم إلى سنة ثمان وعشرين وستمائة، وتوفي عز الدين ابن الأثير المذكور في سنة ثلاثين وستمائة على ما سنذكره إن شاء الله تعالى بعد آخر تاريخه بسنتين.
وفيها في ذي القعدة توفي بالقاهرة أبو الحسن يحيى بن عبد المعطي بن عبد النور الزواوي النحوي الحنفي، كان أحد أئمة عصره في النحو واللغة، وسكن دمشق زماناً طويلاً، وصنف تصانيف مفيدة منها: منظومتة الألفية المشهورة، وكان مولده سنة أربع وستين وخمسمائة، والزواوي منسوب إلى زواوة، وهي قبيلة كبيرة بظاهر بجاية من أعمال إفريقية.
ثم دخلت سنة تسع وعشرين وستمائة والسلطانان الكامل والأشرف بالديار المصرية، والملك المظفر بحماة مالكها، ومعها المعرة، وأخوه الملك الناصر قليج أرسلان. ببارين مالكها، والعزيز محمد ابن الظاهر غازي قد استقل بملك حلب، والتتر قد استولوا على بلاد العجم كلها، والخليفة المستنصر بالعراق.