للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلى الكوفة، حض الناس على المسير إِلى قتال معاوية، فتقاعدوا وقالوا: نستريح ونصلح عدتنا، فاحتاج لذلك علي أن يدخل الكوفة.

ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين فيها جهز معاوية عمرو بن العاص بعسكر إِلى مصر، وكتب محمد بن أبي بكر يستنجد علياً، فأرسل إليه الأشتر فلما وصل الأشتر إِلى القلزم، سقاه رجل عسلاً مسموماً فمات منه، فقال معاوية: إِن لله جنداً من عسل، وسار عمرو حتى وصل إِلى مصر، وقاتله أصحاب محمد بن أبي بكر، فهزمهم عمرو، وتفرق عن محمد أصحابه، وأقبل محمد يمشي حتى انتهى إِلى خربة فقبض عليه وأتوا به إِلى معاوية بن خديح فقتله، وألقاه في جيفة حمار وأحرقه بالنار، ودخل عمرو مصر وبايع أهلها لمعاوية.

ولما بلغ عائشة قتل أخيها محمد جزعت عليه وقنتت في دبر كل صلاة تدعو على معاوية وعمرو بن العاص، وضمت عيال أخيها محمد إِليها، ولما بلغ علياً مقتله جزع عليه وقال: عند الله نحتسبه، وكان ذلك في هذه السنة أعني سنة ثمان وثلاثين ثم بث معاوية سراياه بالغارات على أعمال علي، فبعث النعمان بن بشير الأنصاري إِلى عين التمر، فنهب وهزم كل من كان بها من أصحاب علي، وبعث سفيان بن عوف إِلى هيت والأنبار والمدائن، فنهب وحمل كل ما كان بالأنبار من الأموال، ورجع بها إِلى معاوية، وسير عبد الله بن مسعدة الفزاري إِلى الحجاز، فجهز إِليه علي خيلا، فالتقوا بتيماء؛ وانهزم أصحاب معاوية ولحقوا بالشام، وتتابعت الغارات على بلاد علي رضي الله عنه، وهو في ذلك يخطب الناس الخطب البليغة، ويجتهد بحضّهم على الخروج إِلى قتال معاوية، فيتقاعد عنه عسكره.

ثم دخلت سنة تسع وثلاثين والأمر على ذلك، وفيها سير عبد الله بن عباس، وكان عامل البصرة، زياداً إِلى فارس، وكانت قد اضطربت لما حصل من قتال علي ومعاوية، فوصل إِليها زياد وضبطها أحسن ضبط حتى قالت الفرس: ما رأينا مثل سياسة أنوشروان إِلا سياسة هذا العربي.

ثم دخلت سنة أربعين وعلي بالعراق ومعاوية بالشام، وله معها مصر، وكان علي يقنت في الصلاة ويدعو على معاوية، وعلى عمرو بن العاص، وعلى الضحاك، وعلى الوليد بن عقبة، وعلى الأعور السلمي.

ومعاوية يقنت في الصلاة ويدعو على علي، وعلى الحسن وعلى الحسين، وعلى عبد الله بن جعفر.

وفي هذه السنة سير معاوية بشر بن أرطأة في عسكر إلى الحجاز، فأتى المدينة وبها أبو أيوب الأنصاري عاملا لعلي، فهرب ولحق بعلي، ودخل بشر المدينة وسفك فيها الدماء واستكره الناس على البيعة لمعاوية، ثم سار إِلى اليمن وقتل ألوفاً من الناس، فهرب منه عبيد الله بن العباس، عامل علي باليمن، فوجد لعبيد الله ابنين صبيين فذبحهما، وأتى في ذلك بعظيمة فقالت أمهما - وهي عائشة بنت عبد الله ابن عبد المدان - تبكيهما:

ها من أحسّ بابني اللذين هما ... كالدرتين تشظى عنهما الصدف

ها من أحس بابني اللذين هما ... قلبي وسمعي فقبلي اليوم مختطف

<<  <  ج: ص:  >  >>