الرضي، فبادر بالخروج من دار الخلافة، وقال في ذلك أبياتاً من جملتها:
أمسيت أرحم من كنت أغبطه ... لقد تقارب بين العز والهون
ومنظر كان بالسراء يضحكني ... يا قرب ما عاد بالضراء يبكيني
هيهات أعثر بالسلطان ثانية ... قد ضل عندي ولاج السلاطين
خلافة القادر بالله
أبي العباس أحمد بن الأمير وإسحاق بن المقتدر بن المعتضد
وهو خامس عشرينهم، وكان مقيماً بالبطيحة. كما ذكرناه، فأرسل إِليه بهاء الدولة، خواص أصحابه ليحضروه، ولما قرب من بغداد خرج بهاء الدولة وأعيان الناس لملتقاه، ودخل القادر دار الخلافة ثاني عشر شهر رمضان، وبايعه الناس، وخطب له ثالث عشر رمضان. وكانت مدة مقام القادر في البطيحة، عند مهذب الدولة، سنتين وأحد عشر شهراً. وكان مهذب الدولة محسناً إِلى القادر بالله، ولما توجه من عنده، حمل إِليه مهذب الدولة أموالاً كثيرة.
قتل بكجور وموت سعد الدولة كنا قد ذكرنا استيلاء منير الخادم من جهة العزيز على دمشق، ومسير بكجور عنها إِلى الرقة، فلما كان هذه السنة، سار بكجور إِلى قتال سعد الدولة بن سيف الدولة بحلب، واقتتلا قتالاً شديداً، وهرب بكجور وأصحابه، وكثر القتل فيهم، ثم أمسك بكجور وأحضر أسيراً إِلى سعد الدولة فقتله، ولقي بكجور عاقبة بغيه وكفره، إحسان مولاه، ولما قتله سار سعد الدولة إِلى الرقة، وبها أولاد بكجور وأمواله، وحصرها فطلبوا الأمان، وحلفوا سعد الدولة على أن لا يتعرض إِليهم، ولا إلى مالهم، فبذل سعد الدولة اليمين لهم، فلما سلموا الرقة إِليه، وخرجوا منها، غدر بهِم سعد الدولة، وقبض على أولاد بكجور وأخذ ما معهم من الأموال، وكانت شيئاً كثيراٌ. فلما عاد سعد الدولة إِلى حلب، لحقه فالج في جانبه اليمين، فأحضر الطبيب ومد إليه يده اليسرى، فقال الطبيب: يا مولانا هات اليمين. فقال سعد الدولة: ما تركت لي اليمين يميناً، وعاش بعد ذلك ثلاثة أيام ومات في هذه السنة، واسم سعد الدولة المذكور شريف، وكنيته أبو المعالي بن سيف الدولة بن علي بن حمدان بن حمدون الثعلبي. وقبل موته عهد إِلى ولده أبي الفضائل بن سعد الدولة، وجعل مولاه لؤلؤاً يدبر أمره.
غير ذلك من الحوادث في هذه السنة، وصل بسيل ملك الروم إلى الشام، ونازل حمص ففتحها ونهبها، ثم سار إِلى شيزر فنهبها، ثم سار إِلى طرابلس، فحصرها مدة، ثم عاد إِلى بلاد الروم. وفي هذه السنة توفي القائد جوهر الذي فتح مصر للمعز العلوي، معزولا عن وظيفته.