على خلع المعتز، فصاروا إلى بابه، فقالوا: اخرج إلينا، فقال: قد شربت أمس دواء، وقد أفرط في العمل، فإِن كان لا بد من الاجتماع، فليدخل بعضكم إِليّ، فدخل إِليه جماعة منهم، فجروا المعتز برجله إِلى باب الحجرة وضربوه بالدبابيس، وخرقوا قميصه، وأقاموه في الشمس، فكان يرفع رجلا ويضع أخرى لشدة الحر، وبقي بعضهم يلطمه وهو يتقي بيده، وأدخلوه حجرة، وأحضروا ابن أبي الشوارب القاضي وجماعة، فأشهدوهم على خلعه، ثم سلموا المعتز إِلى من يعذبه، ومنعوه الطعام والشراب ثلاثة أيام، ثم أدخلوه سرداباً، وجصصوه عليه، فمات ودفنوه بسامراء مع المنتصر. وكانت خلافته من لدن بويع بسامراء، إِلى أن خلع، أربع سنين وسبعة أشهر إلا سبعة أيام، وكان عمره أربعاً وعشرين سنة، وثلاثة وعشرين يوماً، وكان أبيض، أسود الشعر.
[خلافة المهتدي]
وهو رابع عشرهم، وفي يوم الأربعاء لثلاث بقين من رجب، من هذه السنة، بويع لمحمد بن الواثق بالخلافة، ولقب المهتدي بالله، وكنيته أبو عبد الله، وأمه رومّية اسمها قرب.
وفي هذه السنة في رمضان، ظهرت قبيحة أم المعتز، وكانت قد اختفت لما قتل ابنها، وكان لقبيحة أموال عظيمة ببغداد، وكان لها مطمور تحت الأرض ألف ألف دينار، ووجد لها في سفط قدر مكوك زمرد، وفي سفط آخر مقدار مكوك لؤلؤ، وفي سفط مقدار كيلجة ياقوت أحمر، لا يوجد مثله. ونبش ذلك كله، وحمل جميعه إلى صالح بن وصيف، فقال صالح: قبح الله قبيحة، عرضت ابنها للقتل، لأجل خمسين ألف دينار، وعندها هذه الأموال كلها، وكان المتوكل قد سماها قبيحة، لحسنها وجمالها كما يسمى الأسود كافور. ثم سارت قبيحة إِلى مكة، فكانت تدعو بصوت عال على صالح بن وصيف وتقول: هتك ستري، وقتل ولدي، وأخذ مالي، وغربني عن بلدي، وركب الفاحشة مني.
ظهور صاحب الزنج في هذه السنة كان أول خروج صاحب الزنج، وهو علي بن محمد بن عبد الرحيم، ونسبه في عبد القيس، فجمع إِليه الزنج الذين كانوا يسكنون السباخ، في جهة البصرة، وادعى أنه علي بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. ولما صار له جَمْع عبر دجلة ونزل الديناري، وكان صاحب الزنج المذكور قبل ذلك، متصلاً لحاشية المنتصر في سامراء، يمدحهم ويستمنحهم بشعره، ثم إِنه شخص من سامراء سنة تسع وأربعين ومائتين إِلى البحرين، فادعى نسبته في العلويين، كما ذكر وأقام في الإحساء، ثم صار إِلى البصرة في سنة أربع وخمسين ومائتين. وخرج في هذه السنة أعني سنة خمس وخمسين ومائتين، واستفحل أمره، وبث أصحابه يميناً وشمالاً للإِغارة والنهب. وفي هذه السنة توفي خفاجة