لما دخلت هذه السنة، سار العادل كتبغا المنصور في أوائل المحرم من دمشق بالعساكر متوجهاً إلى مصر، فلما وصل إلى نهر العوجا واستقر بدهليزه، وتفرقت مماليكه وغيرهم إلى خيامهم، ركب حسام الدين لاجين المنصوري، نائب الملك العادل كتبغا المذكور، بسنجق ونقاره، وانضم إلى لاجين المذكور، بدر الدين البيسري، وقراسنقر المنصوري، وسيف الدين قبجاق المنصوري والحاج بهادر الظاهري، وغيرهم من الأمراء المتفقين مع حسام الدين لاجين، وقصدوا الملك العادل وبغتوه عند الظهر في دهليزه بالمنزلة المذكورة، فلم يلحق أن يجمع أصحابه، ركب في نفر قليل، فحمل عليه نائبه لاجين المذكور، وقتل بكتوت الأزرق، وبتخاص، وكانا أكبر مماليك العادل، فولى العادل كتبغا المذكور هارباً راجعاً إلى دمشق، لأنه فيها مملوكه غرلو، ووصل إلى دمشق، فركب مملوكه غرلو والتقاه، دخل إلى قلعة دمشق، واهتم في جمع العسكر والتأهب لقتال لاجين، فلم يوافقه عسكر دمشق، وأرسل إلى حسام الدين لاجين يطلب منه الأمان وموضعاً يأوي إليه، فأعطاه صرخد، فسار العادل كتبغا المذكور إليها واستقر فيها إلى أن كان منه ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
وأما حسام الدين لاجين، فإنه لما هزم العادل كتبغا على ما ذكرناه، نزل بدهليزه على نهر العوجا، واجتمع معه الأمراء الذين وافقوه على ذلك، وشرطوا عليه شروطاً فالتزمها، منها: أن لا ينفرد عنهم برأي، ولا يسلط مماليكه عليهم كما فعل بهم كتبغا، فأجابهم لاجين إلى ذلك وحلف لهم عليه، فعند ذلك حلفوا له وبايعوه بالسلطنة، ولقب بالملك المنصور حسام الدين لاجين المنصوري، وذلك في شهر المحرم من هذه السنة، أعني سنة ست وتسعين وستمائة، ثم رحل بالعساكر إلى الديار المصرية، ووصل إليها واستقر بقلعة الجبل. ولما استقر بمصر، أعطى للعادل كتبغا صرخد، وأرسل إلى دمشق سيف الدين قبجق المنصوري، وجعله نائب السلطنة بالشام.
[ذكر غير ذلك من الحوادث]
وفي هذه السنة أرسل حسام الدين لاجين، الملقب بالملك المنصور، مولانا السلطان الملك الناصر، من القاعة التي كان فيها بقلعة الجبل، إلى الكرك، وسار معه سلار، فأوصله إليها، ثم عاد سلار إلى حسام الدين لاجين.
وفيها أفرج الملك المنصور لاجين عن بيبرس الجاشنكير، وعن عدة أمراء كان العادل كتبغا قد قبض عليهم وسجنهم في أيام سلطنته. وفيها أعطى المنصور لاجين المذكور جماعة من مماليكه إمرة طبلخاناه، مثل منكوتمر، وأيد غدي شقير، وبهادر المعزي وغيرهم.