فيمن اجتمع معه من الملوك والأمراء المذكورين، وتكبر عليهم، فخبثت نياتهم على كربوغا، ولما ضاق على الفرنج الأمر وقلت الأقوات عندهم، خرجوا من أنطاكية واقتتلوا مع المسلمين، فولى المسلمون هاربين، وكثر القتل فيهم، ونهبت الفرنج خيامهم، وتقووا بالأقوات والسلاح ولما انهزمت المسلمون من بين أيديهم سار الفرنج إلى المعرة فاستولوا عليها، ووضعوا السيف في أهلها، فقتلوا فيها ما يزيد على مائة ألف إنسان وسبوا السبي الكثير، وأقاموا بالمعرة أربعين يوماً وساروا إلى حمص فصالحهم أهلها.
ثم دخلت سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة ذكر ملك الفرنج بيت المقدس كان تنش قد أقطع بيت المقدس للأمير أرتق، فلما توفي صارت القدس لولديه أيلغازي وسقمان ابني أرتق، حتى خرج عسكر خليفة مصر فاستولوا على القدس بالأمان، في شعبان سنة تسع وثمانين وأربعمائة وسار سقمان وأخوه أيلغازي من القدس فأقام سقمان ببلد الرها، وسار أيلغازي إلى العراق، وبقي القدس في يد المصريين إلى الآن فقصده الفرنج وحصروا القدس نيفاً وأربعين يوماً وملكوه يوم الجمعة لسبع بقين من شعبان من هذه السنة، ولبث الفرنج يقتلون في المسلمين بالقدس أسبوعاً، وقتل من المسلمين في المسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألف نفس، منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم وعبادهم وزهادهم ممن جاور في ذلك الموضع الشريف، وغنموا ما لا يقع عليه الإحصاء، ووصل المستنفرون إلى بغداد في رمضان، فاجتمع أهل بغداد في الجوامع واستغاثوا وبكوا، حتى أنهم أفطروا من عظم ما جرى عليهم، ووقع الخلاف بين السلاطين السلجوقية، فتمكن الفرنج من البلاد، وقال في ذلك المظفر الأبيوردي أبياتاً منها:
مزجنا دماء بالدموع السواجم ... فلم يبق منا عرضة للمراجم
وشر سلاح المرء دمع يفيضه ... إذا الحرب شبت نارها بالصوارم
وكيف تنام العين ملء جفونها ... على هفوات أيقظت كل نائم
وإخوانكم بالشام يضحى مقيلهم ... ظهور المذاكي أو بطون القشاعم
يسومهم الروم الهوان وأنتم ... تجرون ذيل الخفض فعل المسالم
وكم من دماء قد أبيحت ومن دم ... توارى حياء حسنها بالمعاصم
أترضى صناديد الأعاريب بالأذى ... وتغضى على ذل كماة الأعاجم
فليتهم إذ لم يذودوا حمية ... عن الدين ضنوا غيرة بالمحارم
[ذكر غير ذلك من الحوادث:]
في هذه السنة قوي أمر محمد بن ملكشاه أخي الملك بركيارق، وهو أخو السلطان لأب وأم، وأمهما أم ولد، واجتمع إليه العساكر واستوزر محمد مؤيد الملك عبيد الله بن نظام الملك وقصد أخاه السلطان بركيارق، وهو بالري فسار بركيارق عن الري، ووصل إليها محمد ووجد والدة أخيه بركيارق زبيدة خاتون قد تخلفت بالري عن ابنها، فقبض عليها مؤيد الملك وأخذ خطها بمال، ثم خنقها، ثم اجتمع إلى محمد كوهرابين شحنة بغداد وكربوغا صاحب الموصل، وأرسل يطلب الخطبة ببغداد، فخطب له بها نهار الجمعة سابع عشر ذي الحجة من هذه السنة.
ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة فيها سار بركيارق ودخل بغداد وأعيدت الخطبة له في صفر، ثم سار بركيارق إلى أخيه محمد وجمع كل منهما عساكره واقتتلوا رابع رجب، عند النهر الأبيض وهو على عدة فراسخ من همذان، فانهزم بركيارق وأرسل السلطان محمد إلى بغداد بذلك، فأعيدت خطبته، ولما انهزم بركيارق سار إلى الري واجتمع عليه أصحابه وقصد خراسان واجتمع مع الأمير داذا أمير جيش خراسان، ووقع بين بركيارق وبين أخيه السلطان سنجر