في هذه السنة توفي بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، وكان لقب الملك الرحيم، وكان عمره قد جاوز ثمانين سنة، ولما مات ملك بعده الموصل ولده الملك الصالح بن لؤلؤ، وملك سنجار ولده الآخر علاء الدين بن لؤلؤ، وكان بدر الدين قد صانع هولاكو ودخل في طاعته، وحمل إليه الأموال، ووصل إلى خدمة هولاكو بعد أخذ بغداد ببلاد أذربيجان، وكان صحبة لؤلؤ، الشريف العلوي بن صلايا، فقيل إن لؤلؤ سعى به إلى هولاكو، فقتل الشريف المذكور، ولما عاد لؤلؤ إلى الموصل لم يطل مقامه بها، حتى مات، وطالت أيام بدر الدين لؤلؤ في ملك الموصل، فإنه كان القائم بأمور أستاذه أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن زنكي بن أقسنقر، وقام بتدبير ولده الملك القاهر بن أرسلان شاه، ولما توفي الملك القاهر بن أرسلان شاه، في سنة خمس عشرة وستمائة، انفرد لؤلؤ بتدبير المملكة، وأقام ولدي القاهر الصغيرين، واحد بعد واحد، واستبد بملك الموصل وبلادها ثلاثاً وأربعين سنة تقريباً، ولم يزل في ملكه سعيداً، لم تطرقه آفة ولم يختل لملكه نظام.
[منازلة الملك الناصر يوسف صاحب الشام والكرك]
وفي هذه السنة لما جرى من البحرية ما ذكرناه، من كسر عسكر الناصر يوسف، سار الناصر المذكور من دمشق بنفسه وعساكره، وسار في صحبته الملك المنصور صاحب حماة، بعسكره، إلى جهة الكرك، وأقام على بركة زيزا، محاصراً للملك المغيث صاحب الكرك، بسبب حمايته للبحرية، ووصل إلى الملك الناصر رسل الملك المغيث صاحب الكرك، والقطبية بنت الملك المفضل قطب الدين ابن الملك العادل، يتضرعون إلى الملك الناصر ويطلبون رضاه عن الملك المغيث، فلم يجب إلى ذلك إلا بشرط أن يقبض المغيث على من عنده من البحرية، فأجاب المغيث إلى ذلك وعلم بالحال ركن الدين بيبرس البندقداري، فهرب في جماعة من البحرية ووصل بهم إلى الملك الناصر يوسف، فأحسن إليهم، وقبض المغيث على من بقي عنده من البحرية، ومن جملتهم سنقر الأشقر، وسكر، وبرامق، وأرسلهم على الجمال إلى الملك الناصر، فبعث بهم إلى حلب، فاعتقلوا بها، واستقر الصلح بين الملك الناصر وبين الملك المغيث صاحب الكرك، وكان مدة مقام الملك الناصر بالعساكر على بركة زيزا، ما يزيد على شهرين بقليل، ثم عاد إلى دمشق وأعطى للملك المنصور صاحب حماة دستوراً، فعاد إلى بلده.