ومحبته، عاود المسير إلى دمشق، وخرج من الكرك وخرجت عساكر دمشق إلى طاعته، وتلقوه، وأما أقوش الأفرم نائب السلطنة بدمشق، فإنه هرب، ووصل السلطان إلى دمشق في يوم الثلاثاء عاشر شعبان من هذه السنة، الموافق لعشرين من كانون الثاني، وهيئت له قلعة دمشق، فلم ينزل بها، ونزل بالقصر الأبلق، وأرسل الأفرم وطلب الأمان من السلطان، فأمنه، فقدم إلى طاعته إلى دمشق، وسار قبجق من حماة، وسار العسكر الحموي صحبته، وكذلك سار أسندمر بعسكر الساحل، ووصل قبجق وأسندمر ومن معهما من العساكر إلى خدمة السلطان بدمشق، في يوم الاثنين الرابع والعشرين من شعبان من هذه السنة، وقدمت تقدمتي، ومن جملتها مملوكي طقزتمر، في يوم الأربعاء السادس والعشرين من شعبان المذكور، فحصل من مولانا السلطان القبول والصدقة، والمواعيد الصادقة، بالتصدق علي بحماة، على عادة أهلي وأقاربي، ثم وصل قراسنقر إلى دمشق بعسكر حلب يوم الجمعة الثامن والعشرين من شعبان، وكان وصل قبل ذلك سيف الدين بكتمر، المعروف بأمير جاندار، من صفد، ولما تكاملت للسلطان عساكر الشام، أمرهم بالتجهيز للمسير إلى ديار مصر.
ذكر مسير مولانا السلطان إلى ديار مصر
واستقراره في سلطنته
وفي هذه السنة، لما تكاملت العساكر الشامية عند السلطان بدمشق، أرسل إلى الكرك وأحضر ما كان بها من الحواصل، وأنفق في العسكر، وسار بهم من دمشق في يوم الثلاثاء تاسع رمضان من هذه السنة، الموافق لعاشر شباط، ولما بلغ بيبرس الجاشنكير ونائبه ذلك، جرداً عسكراً ضخماً مع برلغي وغيره من المقدمين، فساروا إلى الصالحية، وأقاموا بها، وكان برلغي من أكبر أصحاب الجاشنكير، وكأن الشاعر أراده بقوله:
فكان الذي استنصحت أول خائن ... وكان الذي استصفيت من أعظم العدى
وسارت العساكر في خدمة السلطان، وكان الفصل شتاءً والخوف شديداً من الأمطار وتوحل الأرض، وقدر الله تعالى لنا بالصحو والدفء، وعدم الأمطار، واستمر ذلك حتى وصلنا في خدمته إلى غزة، في يوم الجمعة تاسع عشر رمضان من هذه السنة، ولما وصل السلطان إلى غرة، قدم إلى طاعته عسكر مصر أولاً فأولاً، وكان ممن قدم أيضاً برلغي وغيره من المقدمين، ومعهم عدة كثيرة من العسكر، ثم تتابعت الأطلاب، وكان يلتقي مولانا السلطان في كل يوم وهو سائر طلب بعد طلب من الأمراء والمماليك والأجناد، ويقبلون الأرض ويسيرون صحبة الركاب الشريف
ولما تحقق بيبرس الجاشنكير ذلك، خلع نفسه من السلطنة، وأرسل مع ركن الدين بيبرس الدواداري، ومع بهادراص يطلب الأمان من مولانا السلطان، وأن يتصدق عليه ويعطيه إما الكرك أو حماة، أو صهيون، وأن يكون معه ثلاثمائة مملوك من مماليكه، فوقعت إجابة السلطان إلى مائة مملوك، وأن يعطيه صهيون، وأتم مولانا السير، وهرب