حتى يخرج ثلاثون دجالاً كل منهم يزعم أنه نبي " وكان قتل الأسود المذكور قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بيوم وليلة، وكان من أول خروج الأسود إِلى أن قتل أربعة أشهر، وأما صاحب اليمامة فهو مسيلمة الكذاب، وسنذكر خبره ومقتله في خلافة أبي بكر رضي الله عنه.
[أخبار أبي بكر الصديق وخلافته]
رضي الله عنه
لما قبض الله نبيه، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات علوت رأسه بسيفي هذا، وإنما ارتفع إِلى السماء، فقرأ أبو بكر " وما محمد إِلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإِن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " " آل عمران: ١٤٤ " فرجع القوم إِلى قوله وبادروا سقيفة بني ساعدة، فبايع عمر أبا بكر رضي الله عنهما، وانثال الناس عليه يبايعونه، في العشر الأوسط من ربيع الأول سنة إِحدى عشرة، خلا جماعة من بني هاشم والزبير وعتبة بن أبي لهب وخالد بن سعيد ابن العاص والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي وأبي ذر وعمار بن ياسر والبر بن عازب وأبي بن كعب ومالوا مع علي بن أبي طالب، وقال في ذلك عتبة بن أبي لهب:
ما كنت أحسب أن الأمر منصرف ... عن هاشم ثم منهم عن أبي حسن
عن أول الناس إِيماناً وسابقه ... وأعلم الناس بالقرآن والسنن
وآخر الناس عهداً بالنبي من ... جبريل عون له في الغسل والكفن
من فيه ما فيهم لا يمترون به ... وليس في القوم ما فيه من الحسن
وكذلك تخلف عن بيعة أبي بكر أبو سفيان من بني أمية ثم إن أبا بكر بعث عمر بن الخطاب إِلى علي ومن معه ليخرجهم من بيت فاطمة رضي الله عنها، وقال: إِن أبوا عليك فقاتلهم. فأقبل عمر بشيء من نار على أن يضرم الدار، فلقيته فاطمة رضي الله عنها وقالت: إِلى أين يا ابن الخطاب؟ أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم، أو تدخلوا فيما دخل فيه الأمة فخرج علي حتى أتى أبا بكر فبايعه، كذا نقله القاضي جمال الدين بن واصل، وأسنده إِلى ابن عبد ربه المغربي. وروى الزهري عن عائشة قالت: لم يبايع علي أبا بكر حتى ماتت فاطمة، وذلك بعد ستة أشهر لموت أبيها صلى الله عليه وسلم، فأرسل علي إِلى أبي بكر رضي الله عنهما فأتاه في منزله فبايعه وقال علي: ما نفسنا عليك ما ساقه الله إِليك من فضل وخير ولكنا نرى أنّ لنا في هذا الأمر شيئاً فاستبددت به دوننا، وما ننكر فضلك.
ولما تولى أبو بكر كان أسامة بن زيد مبرزاً، وكان عمر بن الخطاب من جملة جيش أسامة علي ما عينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر لأبي بكر: إِن الأنصار تطلب رجلا أقدم سناً من أسامة، فوثب أبو بكر وكان جالساً وأخذ بلحية عمر وقال: ثكلتك أمك يا ابن الخطاب، استعمله رسول الله وتأمرني أن أعزله، ثم خرج أبو بكر معسكر أسامه، وأشخصهم، وشيعهم وهو ماش وأسامة راكب، فقال له أسامة: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لتركبن أو لأنزلن، فقال أبو بكر: والله لا تنزل ولا ركبت، وما علي أن أغبر قدمي ساعة في سبيل الله، ولما أراد الرجوع قال أبو بكر لأسامة: إِن رأيت أن تعينني بعمر فافعل، فأذن أسامة لعمر بالمقام.
وفي أيام أبي بكر ادعت سجاح بنت الحارث بن سويد التميمية النبوة، واتبعها بنو تميم وأخوالها من تغلب وغيرهم من بني ربيعة، وقصدت مسيلمة الكذاب، ولما وصلت إِليه قصدت الاجتماع به، فقال لها: أبعدي أصحابك، ففعلت، فنزل وضرب لها قبة وطيبها بالبخور واجتمع بها، وقالت: له ماذا أوحي إِليك؟ فقال: ألم تر إلى ربك كيف فعل بالحبلى. أخرج منها نسمة تسعى. من بين صفاق وغشى. قالت: وما أنزل الله عليك أيضاً. قال: ألم تر أن الله خلق النساء أفواجاً. وجعل الرجال لهن أزواجاً، فتولج فيهن إِيلاجاً. ثم نخرج ما شئنا إِخراجاً. فينتجن لنا إنتاجاً. فقالت: أشهد أنك نبي، فقال: هل لك أن أتزوجك؟ قالت: نعم. فقال لها:
ألا قومي إلى النيك ... فقد هيي لك المضجع
فإِن شئت ففي البيت ... وإن شئت ففي المخدع
وإن شئت سلقناَك ... وإن شئت على أربع
وإنْ شئتِ بثلثيه ... وإن شئت به أجمع
فقالت: بل به أجمع يا رسول الله. فقال: بذلك أُوحي إِلي، فأقامت عنده ثم انصرفت إِلى قومها، ولم تزل سجاح في أخوالها من تغلب حتى نفاهم معاوية عام بويع فيه، فأسلمت سجاح وحسن إِسلامها، وانتقلت إِلى البصرة وماتت بها.
وفي أيام أبي بكر قتل مسيلمة الكذاب، وكان أبو بكر قد أرسل إلى قتاله جيشاً، وقدَّم عليهم خالد بن الوليد، فجرى بينهم قتال شديد وآخره انتصر المسلمون وهزموا المشركين، وقتل مسيلمة الكذاب، قتله وحشي بالحربة التي قتل بها حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم، وشاركه في قتله رجل من الأنصار، وكان مقام مسيلمة باليمامة، وكان مسيلمة قد قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في وفد بني حنيفة فأسلم؛ ثم ارتد وادعى النبوة استقلالاً، ثم مشاركة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقتل من المسلمين في قتال مسيلمة جماعة من القرّاء من المهاجرين والأنصار، ولما رأى أبو بكر كثرة من قتل أمر بجمع القرآن من أفواه الرجال وجريد النخل والجلود، وترك ذلك المكتوب عند حفصة بنت عمر زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ولما تولى عثمان ورأى اختلاف الناس في القرآن، كتب من ذلك المكتوب الذي كان عند حفصة نسخاً وأرسلها إلى الأمصار وأبطل ما سواها.
وفي أيام أبي بكر منعت بنو يربرع الزكاة، وكان كبيرهم مالك بن نويرة، وكان ملكاً فارساً مطاعاً شاعراً قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم، فولاه صدقه قومه، فلما منع الزكاة أرسل أبو بكر إِلى مالك المذكور خالد بن الوليد في معنى الزكاة، فقال مالك: أنا آتي بالصلاة دون الزكاة: فقال خالد: أما علمت أن الصلاة والزكاة معاً؛ لا تقبل واحدة دون الأخرى فقال مالك: قد كان صاحبكم يقول