حلب الغربية، حتى على رحى بظاهر باب الجنان، بينها وبين سور حلب عرض الطريق. وأظن أن اسمها العريبة، وكان أهل حلب معهم في ضيق شديد، فسار عماد الدين إليه ونازله، وجمع الفرنج فارسهم وراجلهم وقصدوا عماد الدين، فرحل عماد الدين عن الأثارب وسار إلى ملتقاهم، فالتقوا واقتتلوا أشد قتال، ونصر الله المسلمين وانهزم الفرنج، ووقع كثير من فرسانهم في الأسر، وكثر القتل فيهم ولما فرغ المسلمون من ظفرهم عادوا إلى الأثارب فأخذوه عنوة، وقتلوا وأسموا كل من فيه، وخرب عماد الدين في ذلك الوقت حصن الأثارب المذكور، وجعله دكاً وبقي خراباً إلى الآن.
ذكر وفاة الآمر بأحكام الله العلوي في هذه السنة في ذي القعدة قتل الآمر بأحكام الله العلوي أبو علي منصور بن المستعلي أحمد بن المستنصر معد العلوي صاحب مصر، وكان قد خرج إلى مستنزه له، فلما عاد وثب عليه الباطنية فقتلوه، وكانت ولايته تسعاً وعشرين سنه وخمسة أشهر وخمسة عشر يوماً. وعمره أربعاً وثلاثين سنة.
وهو العاشر من ولد المهدي عبيد الله. وهو العاشر من الخلفاء العلويين. ولما قتل الآمر لم يكن له ولد، فولى بعده ابن عمه الحافظ، عبد المجيد بن أبي القاسم بن المستنصر بالله، ولم يبايع أولاً بالخلافة، بل كان على صورة نائب لانتظار حمل إن ظهر للآمر.
ولما تولى الحافظ، استوزر أبا علي أحمد بن الأفضل بن بدر الجمالي، فاستبد بالأمر، وتغلب على الحافظ وحجر عليه، ونقل أبو علي ما كان بالقصر من الأموال إلى داره، ولم يزل الأمر كذلك إلى أن قتل أبو علي سنة ست وعشرين على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
[ذكر غير ذلك:]
في هذه السنة كان الرصد في دار السلطنة شرقي بغداد، تولاه البديع الإسطرلابي ولم يتم. وفي هذه السنة ملك السلطان مسعود قلعة ألموت. وفيها توفي إبراهيم بن عثمان بن محمد الغزي عند قلعة بلخ ودفن فيها، وهو من أهل غزة، ومولده سنة إحدى وأربعين وأربعمائة، وهو من الشعراء المجيدين فمن قصائده المشهورة قصيدته التي مدح فيها الترك التي أولها:
أمط عن الدرر الزهر اليواقيتا ... وأجعل لحج تلاقينا مواقيتا
ومنها:
في فتية من جيوش الترك ما تركت ... للرعد كراتهم صوتاً ولا صيتا
قوم إذا قوبلوا كانوا ملائكة ... حسناً وإن قوتلوا كانوا عفاريتا
ثم ترك الغزي قول الشعر وغسل كثيراً منه وقال:
قالوا هجرت الشعر قلت ضرورة ... باب البواعث والدواعي مغلق
خلت البلاد فلا كريم يرتجى ... منه النوال ولا مليح يعشق