الأشعث، وكان سعيد بن جبير قد هرب من الحجاج، وأقام في مكة، فأرسل الحجاج يطلب جماعة من الوليد قد التجأوا إِلى مكة، فكتب الوليد إلى عامله على مكة، وهو خالد بن عبد الله القسري، يأمره بإِرسال من يطلبه الحجاج، وطلب الحجاج سعيد بن جبير وغيره، فبعث بهم إليه فضرب عنق سعيد بن جبير، وسعيد بن جبير المذكور، كان من أعلام التابعين، أخذ العلم عن عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعنه روى القرآن أبو عمرو، وقال أحمد بن حنبل: قتل الحجاج سعيد بن جبير، وما على وجه الأرض أحد إلا مفتقر إِلى علمه.
وفي هذه السنة أعني سنة أربع وتسعين، توفي سعيد بن المسيب، وكان من كبار التابعين، وفقهائهم.
وفيها وقيل في سنة خمس وتسعين توفي علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، المعروف بزين العابدين، وكان مع أبيه الحسين لمّا قتل، وسلم من القتل، لأنه كان مريضاً على الفراش، وكان كثير العبادة، ولهذا قيل له زين العابدين، وتوقي بالمدينة، ودفن بالبقيع وعمره اثنان وخمسون سنة.
ثم دخلت سنة خمس وتسعين، فيها توفي الحجاج بن يوسف الثقفي، والي العراقين وخراسان، وعمره أربع وخمسون سنة، وكانت مدة ولايته العراق نحو عشرين سنة، وكان الحجاج، أخفش، رقيق الصوت، في غاية الفصاحة، قيل إِنه أحصي من جملة الذين قتلهم الحجاج، فكانوا مائة ألف وعشرين ألف.
ثم دخلت سنة ست وتسعين وفاة الوليد وفي جمادى الآخرة، من هذه السنة، أعني سنة ست وتسعين، توفي الوليد بن عبد الملك بن مروان، وكانت مدة خلافته تسع سنين وسبعة أشهر، وكانت وفاته بدير مران، ودفن بدمشق، خارج الباب الصغير، وصلى عليه ابن عمه عمر بن عبد العزيز، وكان عمره اثنتين وأربعين سنة، وستة أشهر، وكان سائل الأنف جداً، وكان له من الولد ثمانية عشر ابناً، وهو الذي بنى مسجد دمشق، واحتمل له الصناع من بلاد الروم، ومن سائر بلاد الإسلام، وكان في جانب الجامع كنيسة، قد سلمت للنصارى، بسبب أنها في نصف البلد الذي أخذ بالصلح، وكانت تعرف بكنيسة ماريحنا فهدمها الوليد، وأدخلها في الجامع، وكان الوليد لحاناً، دخل عليه أعرابي يشكو صهراً له، فقال له الوليد: ما شأنك، بفتح النون. فقال الأعرابي أعوذ بالله من الشين، فقال له سليمان بن عبد الملك: أمير المؤمنين يقول: ما شأنك بضم النون. فقال الأعرابي: ختني ظلمني، فقال الوليد: من ختنَك بالفتح. فقال الأعرابي: إِنما ختنني الحجام، ولست أريد ذا. فقال سليمان بن عبد الملك: أمير المؤمنين يقول من ختنُك بالضم؟ فقال: هذا وأشار إلى خصمه، وكان أبوه عبد الملك فصيحاً، وعرف بلحن ابنه، فقال له: إِنك يا بني لا تصلح للولاية على العرب، وأنت تلحن، وجعله في بيت؛ وجعل معه من يعلمه الإعراب، فمكث الوليد كذلك مدة، ثم خرج وهو أجهل مما دخل.