لما كانوا منازلين دمشق، فجرى بينهم وبين المسلمين مصاف، قتل فيه شاهنشاه المذكور، وهو أبو الملك المظفر عمر صاحب حماة، وأبو فرخشاه صاحب بعلبك، وكان شاهنشاه أكبر من صلاح الدين، وكانا شقيقين.
ثم دخلت سنة أربع وأربعين وخمسمائة.
وفاة غازي بن زنكي
في هذه السنة توفي سيف الدين غازي بن عماد الدين، أتابك زنكي صاحب الموصل، بمرض حاد في أواخر جمادى الآخرة، وكانت ولايته ثلاث سنين وشهراً وعشرين يوماً. وكان حسن الصورة، ومولده سنة خمسمائة. وخلف ولدا ذكراً، فرباه عمه نور الدين، وأحسن تربيته. وتوفي المذكور شاباً، وانقرض بموته عقب سيف الدين غازي.
وكان سيف الدين المذكور كريماً، يصنع لعسكره كل يوم طعاماً كثيراً بكرة وعشية، وهو أول من حمل على رأسه السنجق في ركوبه، وأمر الأجناد أن لا يركبوا إلا بالسيوف في أوساطهم، والدبوس تحت ركبهم. فلما فعل ذلك، اقتدى به أصحاب الأطراف، ولما توفي سيف الدين غازي، كان أخره قطب الدين مودود بن زنكي مقيماً بالموصل، فاتفق جمال الدين الوزير، وزين الدين علي أمير الجيش، على تمليكه، فحلفاه وحلفا له، وكذلك باقي العسكر، وأطاعه جميع بلاد أخيه سيف الدين. ولما تملك، تزوج الخاتون ابنة تمرتاش صاحب ماردين، وكان أخوه سيف الدين قد تزوجها، ومات قبل الدخول بها، وهي أم أولاد قطب الدين.
وفاة الحافظ لدين الله العلوي
[وولاية الظافر:]
وفي هذه السنة، في جمادى الآخرة، توفي الحافظ لدين الله عبد المجيد بن الأمير أبي القاسم بن المستنصر العلوي، صاحب مصر، وكانت خلافته عشرين سنة إلا خمسة أشهر. وكان عمره نحو سبع وسبعين سنة، ولم يل الخلافة من العلويين المصريين - من أبوه غير خليفة - غير الحافظ والعاضد، على ما سنذكره. ولما توفي الحافظ، بويع بعده ابنه الظافر بأمر الله أبو منصور إسماعيل بن الحافظ عبد المجيد. واستوزر ابن مصال، فبقي أربعين يوماً، وحضر من الإسكندرية العادل بن السلار، وكان قد خرج ابن مصال من القاهرة في طلب بعض المفسدين، فأرسل العادل بن السلار ربيبه عباس بن أبي الفتوح بن يحيى بن تميم بن المعز بن باديس الصنهاجي، وكان أبوه أبو الفتوح. قد فارق أخاه علي بن يحيى صاحب إفريقية، وقدم إلى الديار المصرية وتوفي بها، فتزوج العادل بن السلار بزوجة أبي الفتوح المذكور، ومعها ولدها عباس بن أبي الفتوح، فرباه العادل وأحسن تربيته، ولما قدم العادل إلى مصر يريد الاستيلاء على الوزارة، أرسل ربيبه عباساً في عسكر إلى ابن مصال، فظفر به عباس وقتله، وعاد إلى العادل بالقاهرة، فاستقر العادل في الوزارة