وخمسين سنة، وإمارته إحدى وعشرين سنة، وقتل من أصحابه ما يزيد على ثلاثة آلاف فارس، وكان صدقة متشيعاً وهو الذي بنى الحلة بالعراق. وأقول: إنه قد تقدم ذكر الحلة قبل وجود صدقة المذكور، فكيف يكون هو الذي بناها؟ لكن كنا نقلناه من الكامل لابن الأثير، وكان قد عظم شأنه وعلا قدره واتسع جاهه واستجار به صغار الناس وكبارهم، وكان مجتهداً في النصح للسلطان محمد، حتى أنه جاهر بركيارق بالعداوة ولم يبرح على مصافاة محمد، ثم فسد ما بينهما حتى قتل صدقة كما ذكرنا، وكان سبب الفساد بينهما حماية صدقة لكل من خاف من السلطان، واتفق أن السلطان محمد أغضب على أبي دلف شرخاب بن كيخسرو صاحب ساوة، فهرب صاحب ساوة المذكور واستجار بصدقة، وأرسل السلطان يؤكد في إرساله وطلبه، فلم يفعل صدقة أن يسلمه، فسار إليه السلطان واقتتلوا كما ذكرنا، فقتل صدقة وأسر ابنه دبيس بن صدقة، وأسر شرخاب صاحب سارة المذكور.
ذكر وفاة تميم بن المعز
في هذه السنة في رجب توفي تميم بن المعز بن باديس صاحب إفريقية وكان تميم ذكياً حليماً، وكان ينظم الشعر، وكان عمره تسعاً وسبعين سنة، وكانت ولايته ستاً وأربعين سنة وعشرة أشهر وعشرين يوماً، وخلّف من الأولاد مائة ابن، أربعين ذكراً وستين بنتاً. ولما توفي ملك بعده ابنه يحيى بن تميم، وكان عمر يحيى حين ولي ثلاثاً وأربعين سنة وستة أشهر.
[ذكر غير ذلك من الحوادث]
في هذه السنة توجه فخر الملك أبو علي بن عمار من طرابلس إلى بغداد مستنفراً لما حل بطرابلس وبالشام من الفرنج، واجتمع بالسلطان محمد وبالخليفة المستظهر، فلم يحصل منهما غرض، فعاد إلى دمشق وأقام عند طغتكين، وأقطعه الزبداني، وأما طرابلس فإن أهلها دخلوا في طاعة خليفة مصر، وخرجوا عن طاعة ابن عمار، وكان من أمر طرابلس ما سنذكره.
ثم دخلت سنة اثنتين وخمسمائة في هذه السنة أرسل السلطان محمد عسكراً فيهم عدة من أمرائه الكبار، مع أمير يقال له مودود بن الطغتكين إلى الموصل ليأخذوها من جاولي، فوصلوا إلى الموصل وحصروها، وتسلمها الأمير مودود في صفر، وأما جاولي فإنه لم ينحصر بالموصل وهرب إلى الرحبة قبل نزول العسكر عليها، ثم سار جاولي مجداً ولحق السلطان محمداً قريب أصفهان، وأخذ كفنه معه ودخل عليه، وطلب العفو، فعفا عنه وأمّنه.
[ذكر غير ذلك من الحوادث]
في هذه السنة تولى مجاهد الدين بهروز شحنكية بغداد، ولاه إياها السلطان محمد، وأمر بهروز بعمارة دار المملكة ببغداد، ففعل بهروز ذلك وأحسن إلى الناس وكان السلطان