فيها سارت عساكر عماد الدين زنكي الذين بحلب وحماة، ومقدمهم إسوار نائب زنكي بحلب إلى بلاد الفرنج بنواحي اللاذقية، وأوقعوا بمن هناك من الفرنج، وكسبوا من الجواري والمماليك والأسرى والدواب ما ملأ الشام من الغنائم، وعادوا سالمين.
ذكر خلع الراشد وخلافة المقتفي
[وهو حادي ثلاثينهم]
كان الراشد قد اتفق مع بعض ملوك الأطراف، مثل عماد الدين زنكي وغيره، على خلاف السلطان مسعود، وطاعة داود بن السلطان محمود، فلما بلغ مسعوداً ذلك، جمع العساكر وسار إلى بغداد، ونزل عليها وحصرها، ووقع في بغداد النهب من العيارين والمفسدين، ودام مسعود محاصرها نيفاً وخمسين يوماً فلم يظفر بهم، فارتحل إلى النهروان.
ثم وصل طرنطي صاحب واسط بسفن كثيرة فعاد مسعود إلى بغداد وعبر إلى غربي دجلة، واختلفت كلمة عساكر بغداد، فعاد الملك داود إلى بلاده أذربيجان في ذي القعدة، وسار الخليفة الراشد من بغداد مع عماد الدين زنكي إلى الموصل، ولما سمع مسعود بمسير الخليفة وزنكي، سار إلى بغداد واستقر بها في منتصف ذي القعدة، وجمع مسعود القضاة وكبراء بغداد، وأجمعوا على خلع الراشد، بسبب أنه كان قد عاهد مسعود على أنه لا يقاتله، ومتى خالف ذلك فقد خلع نفسه، وبسبب أمور ارتكبها، فخلع وحكم بفسقه وخلعه.
وكانت مدة خلافة الراشد أحد عشر شهراً وأحد عشر يوماً، تم استشار السلطان مسعود فيمن يقيمه في الخلافة، فوقع الاتفاق على محمد بن المستظهر فأحضر وأجلس في الميمنة، ودخل إليه السلطان مسعود وتحالفا، ثم خرج السلطان وأحضر الأمراء وأرباب المناصب والقضاة والفقهاء وبايعوه، ولقبوه المقتفي لأمر الله، والمقتفي عم الراشد المذكور، وهو والمسترشد أبناء المستظهر، وليا الخلافة، وكذلك السفاح والمنصور أخوان، وكذلك المهدي والرشيد أخوان، وكذلك الواثق والمتوكل، وأما ثلاثة أخوة ولوا الخلافة، فالأمين والمأمون والمعتصم أولاد الرشيد، وكذلك المكتفي والمقتدر والقاهر، والمعتضد والراضي والمتقي والمطيع بنو المقتدر.
وأما أربعة إخوة ولوها، فالوليد وسليمان ويزيد وهشام بنو عبد الملك بن مروان، لا يعرف غيرهم. وعمل محضر بخلع الراشد، وأرسل إلى الموصل، وزاد المتقي في إقطاع عماد الدين زنكي وألقابه، وأرسل المحضر، فحكم به قاضي القضاة الزينبي بالموصل، وخطب للمقتفي في الموصل في رجب سنة إحدى وثلاثين.
ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة.
فيها عزل الحافظ وزيره بهرام النصراني الأرمني، بسبب ما اعتقد من تولية الأرمن على المسلمين وإهانتهم لهم، فأنف من ذلك شخص يسمى رضوان بن الوكحشي، وجمع جمعاً وقصد بهرام، فهرب بهرام إلى الصعيد. ثم عاد وأمسكه الحافظ وحبسه في القصر. ثم إن بهرام المذكور ترهب وأطلقه الحافظ، ولما هرب بهرام، استوزر الحافظ