يا أفتك الناس ألحاظاً وأطيبهم ... ريقاً متى كان فيك الصاب والعسل
في صحن خدك وهو الشمس طالعة ... ورد يزيدك فيه الراح والخجل
إيمان حبك في قلبي مجددة ... من خدك الكتب أو من لحظك الرسل
إن كنت تجهل أني عبد مملكة ... مرني بما شئت آتيه وأمتثل
لو اطلعت على قلبي وجدت به ... من فعل عينيك جرحاً ليس يندمل
ثم دخلت سنة إحدى وأربعين وخمسمائة.
ذكر ملك الفرنج طرابلس الغرب
وسبب ملكها أنهم نزلوا عليها وحصروها، فلما كان اليوم الثالث من نزولهم، سمع الفرنج في المدينة ضجة عظيمة، وخلت الأسوار من المقاتلة، وكان سببه أن أهل طرابلس اختلفوا، فأراد طائفة منهم تقديم رجل من الملثمين ليكون أميرهم، وأرادت طائفة أخرى تقديم بني مطروح، فوقعت الحرب بين الطائفتين وخلت الأسوار، فانتهز الفرنج الفرصة، وصعدوا بالسلالم وملكوها بالسيف. في المحرم من هذه السنة، وسفكوا دماء أهلها، وبعد أن استقر الفرنج في ملك طرابلس بذلوا الأمان لمن بقي من أهل طرابلس، وتراجعت إليها الناس وحسن حالها.
حصار عماد الدين زنكي حصني جعبر وفنك
[ومقتله:]
في هذه السنة سار زنكي ونزل على قلعة جعبر وحصرها، وصاحبها علي بن مالك بن سالم ابن مالك بن بدران بن المقلد بن المسيب العقيلي. وأرسل عسكراً إلى قلعة فنك، وهي تجاور جزيرة ابن عمر، فحصرها أيضاً وصاحبها حسام الدولة الكردي البشنوي.
ولما طال على زنكي منازلة قلعة جعبر، أرسل مع حسام البعلبكي الذي كان صاحب منبج، يقول لصاحب قلعة جعبر: قل لي من يخلصك مني، فقال صاحب قلعة جعبر لحسان: يخلصني منه الذي خلصك من بلك بن بهرام بن أرتق. وكان بلك محاصراً المنبج، فجاءه سهم فقتله، فرجع حسان إلى زنكي ولم يخبره بذلك، فاستمر زنكي منازلاً قلعة جعبر، فوثب عليه جماعة من مماليكه وقتلوه في خامس في ربيع الآخر من هذه السنة بالليل، وهربوا إلى قلعة جعبر، فصاح من بها على العسكر وأعلموهم بقتل زنكي، فدخل أصحابه إليه وبه رمق، وكان عماد الدين زنكي حسن الصورة، أسمر اللون، مليح العينين، قد وخطه الشيب. وكان قد زاد عمره على ستين سنة ودفن بالرقة.
وكان شديد الهيبة على عسكره عظيمها. وكان له الموصل وما معها من البلاد، وملك الشام خلا دمشق. وكان شجاعاً وكانت الأعداء محيطة بمملكته من كل جهة، وهو ينتصف منهم ويستولي على بلادهم، ولما قتل زنكي كان ولده نور الدين محمود حاضراً عنده، فأخذ خاتم والده وهو ميت من إصبعه، وسار إلى حلب فملكها، وكان صحبة زنكي أيضاً الملك