وهي قصيدة طويلة مشهورة، واختلف في سبب عملها، فقيل: كان له قط حقيقة وقتله الجيران فرثاه، وقيل بل رثى بها ابن المعتز، ولم يقدر يذكره خوفاً من المقتدر، فورّى بالقط، وقيل: بل هويت جارية علي بن عيسى، غلاماً لأبي بكر بن العلاف المذكور، ففطن بهما علي بن عيسى فقتلهما جميعاً، فقال أبو بكر مولاه هذه القصيدة يرثيه، وكنى عنه بالهر.
ثم دخلت سنة تسع عشرة وثلاثمائة في هذه السنة، أرسل المقتدر عسكراً لقتال مرداويج، فالتقوا بنواحي همدان، فانهزم عسكر الخليفة، واستولى مرداويج على بلاد الجبل جميعاً، وبلغت عساكره في النهب إِلى نواحي حلوان، ثم أرسل مرداويج عسكراً إِلى أصفهان، فملكوها. وفي هذه السنة في ذي الحجة تأكدت الوحشة بين مؤنس الخادم وبين المقتدر.
ثم دخلت سنة عشرين وثلاثمائة في هذه السنة سار مؤنس الخادم إلى الموصل مغاضباً للمقتدر، واستولى المقتدر على أقطاع مؤنس وماله وأملاكه وأملاك أصحابه، وكتب إِلى بني حمدان أمراء الموصل، بصد مؤنس عن الموصل وقتاله، فجرى بين مؤنس وبينهم قتال، فانتصر مؤنس واستولى على الموصل، واجتمعت عليه العساكر من كل جهة، وأقام مؤنس بالموصل تسعة أشهر.
قتل المقتدر
ولما اجتمعت العساكر بالموصل عند مؤنس الخادم، سار بهم إِلى جهة بغداد، فقدم تكريت، ثم سار حتى نزل بباب الشماسية، فلما رأى المقتدر ضعفه، وانعزال العسكر عنه، قصد الانحدار إِلى واسط ثم اتفق من بقي عنده على قتال مؤنس، ومنعوه من التوجه إِلى واسط، فخرج المقَتدر إِلى قتال مؤنس وهو كاره ذلك، وبين يدي المقتدر الفقهاء والقراء، ومعهم المصاحف منشورة، وعليه البردة، فوقف على تل، ثم ألح عليه أصحابه بالتقدم إِلى القتال فتقدم، ثم انهزمت أصحابه، ولحق المقتدر قوم من المغاربة فقال لهم: ويحكم أنا الخليفة. فقالوا: قد عرفناك يا سفلة، أنت خليفة إِبليس، فضربه واحد بسيفه فسقط إِلى الأرض وذبحوه، وكان المقتدر ثقيل البدن، عظيم الجثة، فلما قتلوه رفعوا رأسه على خشبة، وهم يكبرون ويلعنونه، وأخذوا ما عليه حتى سراويله، ثم حُفر له في موضعه، وعفي قبره، وحمل رأس المقتدر إلى مؤنس، وهو بالراشدية، لم يشهد الحرب، فلما رأى رأس المقتدر، لطم وبكى، وكان المقتدر قد أهمل أحوال الخلافة، وحكم فيها النساء والخدم، وفرط في الأموال، وكانت مدة خلافته أربعاً وعشرين سنة، وأحد عشر شهراً، وستة عشر يوما، وكان عمره ثمانياً وثلاثين سنة.
[خلافة القاهر بالله]
وهو تاسع عشرهم، كان مؤنس الخادم قد أشار بإِقامة ولد المقتدر، أبي العباس، فاعترض عليه أبو يعقوب إِسحاق بن إِسماعيل النوبختي بأن هذا صبي، ولا يولى إلا من يدبر نفسه ويدبرنا، وكان في ذلك كالباحث عن حتفه بظلفه، فإن القاهر قتل النوبختي المذكور فيما بعد، فأحضروا