فقال أبو بكر المروزي الحنبلي وأصحابه: إِن معنى ذلك أن الله تعالى يقعد النبي صلى الله عليه وسلم معه على العرش، وقالت الطائفة الأخرى: إِنما هي الشفاعة، فاقتتلوا بسبب ذلك.
وفي هذه السنة توفي محمد بن جابر بن سنان الحراني الأصل، البتاني الحاسب، المنجم المشهور، صاحب الزيج الصابي، واسمه يدل على إسلامه، وكذلك خطبته في زيجة، قال ابن خلكان: ولم أعلم أنه أسلم، وله الأرصاد المتقنة، وابتدأ بالرصد قي سنة أربع وستين ومائتين، إلى سنة ست وثلاثمائة وأثبت الكواكب الثابتة في زيجة لسنة تسع وتسعين ومائتين، وزيجة نسختان: أولى وثانية، والثانية أجود، والبتاني بفتح الباء الموحدة من تحتها، وقيل بكسرها نسبة إلى بتان، وهي ناحية من أعمال حران. وفيها توفي نصر بن أحمد بن نصر البصري، المعروف بالخبزأرزي، الشاعر المشهور، كان أديباً راوية للشعر، وكان أمياً لا يعرف أن يتهجا، ولا يكتب، وكان يخبز خبز الأرز، بمربد البصرة، وله الأشعار الفائقة منها:
خليلي هل أبصرتما أو سمعتما ... بأحسن مِنْ مولى تمشى إلى عبد
أتى زائري من غير وعد وقال لي ... أجلك عن تعليق قلبك بالوعد
فما زال نجم الوصل بيني بينه ... يدور بأفلاك السعادة والسعد
فطوراً على تقبيل نرجس ناظر ... وطوراً على تقبيل تفاحة الخد
ثم دخلت سنة ثماني عشرة وثلاثمائة في هذه السنة أخرجت الرجالة المصافية من بغداد، فإِنهم استطالوا بالكلام والفعل، من حين أعادوا المقتدر إِلى الخلافة، فجرى بينهم وبين الجند وقعة، وقتل بينهم قتلى، فهربت الرجالة المصافية إلى واسط، واستولوا عليها، فسار إِليهم مؤنس الخادم، وقتل منهم وشردهم. وفيها وقيل بل في السنة التي قبلها، توفي أبو بكر الحسن بن علي بن أحمد بن بشار، المعروف بابن العلاف، الضرير النهرواني، وقد بلغ عمره مائة سنة، وهو ناظم مراثي الهر المشهورة التي منها:
يا هر فارقتنا ولم تعد ... وكنت منا بمنزل الولدِ
وكان قلبي عليك مرتعداً ... وأنت تنساب غير مُرتعدِ
تدخل برجٍ الحمام متئدا ... وتبلع الفرخ غير متئدِ
صادوك غيظاً عليك وانتقموا ... منك، وزادوا ومن يصد يُصدِ
ولم تزل للحمام مرتصدا ... حتى سقيت الحمام بالرصد
يا من لذيذُ الفراخ أوقعه ... ريحك هلا قنعت بالغددَ
لا بارك الله في الطعام إِذا ... كان هلاك النفوس في المعدَ
كم دخلت لقمة حشا شره ... فأخرجت روحه من الجسدَ
ما كان أغناك عن تسلقك ال ... برج ولو كان جنة الخلدِ